الخميس، 26 يونيو 2008

تلك المنطقة الرمادية

ان يعمل كلا من نصفى مخك بشكل مستقل ليعطى كلا منهما رأيا يساوى الاخر فى المقدار و يضاده فى الاتجاه فتمضى حياتك محاولا الوصول لحل وسط يرضى كلا منهما رغم كرهك الشديد للحلول الوسط.... لتجد بعد فترة لا بأس بها انك امضيت عمرك فى تلك المنطقه الرمادية بين الابيض و الاسود.. لست طيبا بما يكفى لتتحمل نقاء المنطقة البيضاء ولا تتحلى بالشجاعه لتتركها الى المنطقة السوداء فتمضى حياتك متأرجحا فى ظلال المنطقة الرمادية تتخبطك الرغبة فى الفرار منها الى اية نهاية ايا كانت...فقط لتهرب من جحيم تلك المنطقة الرمادية..
ان تشعر و انت وحدك بضجيج يعادل ضجيج عشر مدن اعلنت الحرب على بعضها فى نفس اللحظة...و تتمنى فقط ان يخرس كل هؤلاء المتحدثين داخل رأسك لتحظى بقدر من الهدوء.. و لكن امانيك تذهب ادراج الرياح فهم لا يكفون عن الضجيج ابدا..
ان يقودك كل هذا الى الاعتقاد بأن حياتك مأساه لن تنتهى الا بيدك انت وحدك فتسير بخطى ثابته الى النهاية التى توقع الكثيرون ان تصل اليها..لتقف قبل تنفيذ القرار بثوان تستمع الى توسلات نصفى مخك اللذان اتفقا لأول مرة منذ عرفتهما على شىء..وهو رغبتهم فى اثنائك عما اعتزمت مستمتعا بلذة ان تكون المتحكم لأول مرة .. ثم تلقى بتوسلاتهما خلفك و تلقى بمأساتك كلها و تحلق نحو ابعادا جديدة من الحرية ترى فيها الوانا كثيرة.. ليس من بينها هذه المرة اى اثر للون الرمادى.

الثلاثاء، 24 يونيو 2008

ذلك الهمس

عندما تجد كل ما حلمت ان تجده فى شخص واحد..فلابد من ذلك الصوت الهامس الذى يخبرك ان شيئا ما ليس كما ينبغى.. و ان الامور لن تستمر على هذا النحو..و ان يخبرك احساسك ان"فى شى بدو يصير" كما تقول فيروز.
اشتركت كآبتها مع الرهبة الطبيعيه التى يستشعرها كل من وجد ضالته بعد بحث طال فى جعل الحياة لا تطاق بعد ان جمعتها الاقدار به دون ميعاد.. اتاها هو ليجسد كل ما تمنت ان تجده فى فارس احلامها..الحنان.. الرقة.. الرجولة.. الذكاء.. الطموح..بل ان ملامحه تحاكى صورة طالما رسمتها لفارس احلامها...لا تبالغ حين تقول انه يعاملها كملكة.. لا يتردد فى ان يقبل اناملها كلما اتيحت له الفرصة.. يردد اسمها فى صحوه و نومه حتى ضاق المحيطون به بحديثه المستمر عنها.. يدعوها ب"مولاتى" امام الجميع..
و لكنها مع هذا كله كانت تشعر بضيق لا مبرر له عندما تفكر فى علاقتهما..لم تعتد ان تعطيها الحياه هكذا بسخاء و دون مقابل.. تخبره عن هواجسها فلا يجد لها مبرر..فهو يرى انها تستحق من هو افضل منه!! و كثيرا ما كان يرجوها الا تتركه هى... بل و يحسد نفسه انها اختارته دونا عن كل من يحيطون بها و اصطفته حبيبا..
حاولت ان تجد شبهة ادعاء فى تصرفاته فلم تجد..اجهدت نفسها بحثا عما قد يفسد علاقتهما على المدى القريب او البعيد فباء بحثها بالفشل..علاقتهما تسير فى الطريق الصحيح منذ اللحظة الاولى..كل شىء يسير كما يخططا له...
و بينما كان الجميع يحسدونها على فارسها الاسطورى .. كانت تحيا وحدها فى جحيم الخوف..الخوف ان تعمل الايام انيابها فى علاقتهما فتمزقها كما مزقت ما سبقها. فقط لو يصمت ذلك الهمس الذى لا يلبث ان يخبرها انه ذاهب..و ان ما هى فيه لا يتعدى حلم جميل ستفيق منه بمجرد ان تسمح لنفسها بتصديق انه واقع..ذلك الهمس الذى لم تكن تسمعه الا عندما يبدى ما يجعلها تتمسك به اكثر.. ولكن لا فائدة..ربما نجح فى جعلها تحبه و لكنه فشل فى ان يشعرها بالامان..بأنه باق..بأن ما بينهما اقوى من الايام..فكانت النتيجة التى لم يتوقعها احد..
نعم تركته..لتنهى عذابه و عذابها..اتهمها الكثيرون بالجنون.. بالغرور.. بالانانية.. بالقسوة..و زادت دموع الفتى و مرضه من سخط الجميع عليها..وحدها هى كانت ترى فى ذلك الحل الامثل..فهو يستحق من تستطيع ان تستمتع بوجوده الى جوارها دون ان تؤرقها الهواجس.. فتفسد لحظاتهما معا..
"عندما يصبح الواقع فجأة افضل من اى حلم راودك او لم يراودك بعد عن الحياة التى تتمنى ان تحياها..فمن الحكمة الا يستخفك الفرح..بل وان تفترض ان ما انت فيه زائل لا محالة.. فدوام الحال من المحال..ولكن هل يستبد القلق بأحدهم لدرجة يفضل معها ان يضيع باختياره ما منت عليه الدنيا به بعد جفاء طال فقط ليستريح من الخوف الدائم من فقده؟ ربما..."

الأربعاء، 18 يونيو 2008

مزيد من الفلسفات الشخصية

عندما يجلس ذلك الطفل الصغير الموجود داخلك شاردا مطأطئ الراس يتأمل فى حزن تلك البحيرة الصافية التى خلفتها دموع ليلة البارحة لا تحاول ان تخرجه من شروده ..فنحن لا نشعر اننا بشر الا عندما نحزن..لا نشعر بان لنا قلوبا الا عندما تؤلمنا..لا نشعر بقوتنا الا بعد فترة لا بأس بها من الضعف و الانهيار..احترم احزانك فهى ما يجعلك ادميا..و احترم ضعفك فبدونه لن تشعر بالقوة ما حييت..و احترم تلك الدموع التى تذرفها..فهى وحدها تصنع تلك البحيرة التى ستقطعها بحثا عن شاطئ الامان..عن ذاتك...و عندما يرسو قاربك الصغير على ذلك الشاطئ فاعلم انها ليست نهاية رحلتك..بل انت قد بدأت لتوك استكشاف اروع ما قد يستكشفه بشر..استكشافك... و لعمرى ما اعجب ما ستصادف..فكن طموحا..و كن صبورا..و كن حزينا..و كن انت و استمتع بذلك قدر استطاعتك.

الأحد، 15 يونيو 2008

هى لم تكن تعلم

هى تجلس بجواره..خجلى..صامته كعادتها..تنظر بعيدا لتتحاشى عينيه
هو ينظر اليها بحب بالغ و على شفتيه ابتسامة
و بعد فترة لا بأس بها من الصمت
هو:عارفة؟ انا نفسى افضل كده حنبك على طول..بس بتفرج عليكى و انتى ساكته و سرحانة.
تبتسم هى:مسيرك هتزهق..انا اصلى سكاتى بيطول احيانا لدرجة مملة
هو:حد يزهق وهو جنبه ملاك سرحان كده؟
هى تنظر اليه..تبتسم ولا تجيب..تسرح بعينيها بعيدا
هو ينظر اليها بمزيد من الحب
**************
هى جالسة بجواره..صامتة كعادتها و لكنها تتأمله فى حب
هو يرمقها بضيق بعد فترة غير طويلة من الصمت اعقبت انتهاء حديثه
هو (فى حدة): اتكلمى..يا بنتى انا مش راديو انا بنى ادم و بزهق لما اقعد اتكلم و مسمعش غير صوتى كده.
هى تقطب فى عتاب..ثم تبتسم فى هدوء و تجيب : مانتا عارف انا كلامى مش كتير و بحب اسمعك اكتر..
هو يدير وجهه بعيدا..هى تتأمله فى حنان
*******************
هى لم تكن تعلم ان الايام قادره على جعله يبدل رأيه لهذه الدرجه.. كما لم تعلم انها ذات يوم ستلتفت الى جوارها فلن تجده..فتحمد الله على هذا.

السبت، 14 يونيو 2008

ابتسماتها الزائفة

جلسا الى طاولتهما المفضلة و طلبا ما يطلبانه عادة..كانت هى دوما اكثر منه حرصا على هذا الروتين..كانت حريصة على ان تكون لهما تفاصيلهما الخاصة.
امسكت القدح بكلتا يديها كما تحب ان تفعل..تبدو كطفلة حقيقية و تنظر للقدح فى شرود ولا ترفعه الى شفتيها ابدا.
يحرك يديه امام عينيها حركة سريعة..تنتبه و تخفى بابتسامة مفتعلة انها فهمت ما هو موشك على قوله..من اختناق كلمة "حبيبتى" فى صوته امس..من حديثه على الماسينجر الذى اتاها خاليا من "الايموشن" الذى تحبه..من سترته السوداء التى تعلم جيدا انه لا يرتديها الا حينما يشعر سوادا مماثلا بداخله..كانت تفهمه اكثر مما يجب للاسف.
"وحشتينى"..جاءتها منه جافة باردة خالية مما اعتادته من دفء و حنان..فلم تستطع ان تبادله بمثلها و اكتفت بأن مطت ابتسامتها الزائفة اكثر.
"انا..كنت عايز اقولك حاجة"..و هنا بحثت فى ذهنها عن اى موضوع يدير دفة الحديث بعيدا عن هذا الطريق الذى تعلم الا رجعة منه..فى محاولة يائسة لتأخير النهاية..فلم تجد. خانها تفكيرها و غلبها الصمت..نظرت اليه وهى تحاول منع دمعة من الفرار..ثم قالت متظاهرة بانها لا تفهم شيئا"خير يا حبيبى؟"
اسمعها ما كانت تنتظر ان تسمعه..تماسكت..ترتجف يداها فتخفيهما تحت الطاولة لتمنعه من احتضانهما بكفيه كما اعتاد ان يفعل..لكم تكره لحظات الوداع..وكم تمنت الا تطول...
انتظرت حتى يمسح تلك الدمعة التى سالت من عينيه وهو يخبرها ان ظروفه لن تدعه يحقق لها ايا مما وعدها به..لن يصبح لها كل شيء كما وعدها دوما .. لن يعوضها عن شىء..أدارت وجهها بعيدا عنه..فهى تعلم كم هى ضعيفة امام دموعه..و تعلم ان رد فعلها المعتاد تجاهها لن يبدو لائقا فى مثل هذا المكان.
تمنت ان تضمه للمرة الاخيرة..ان تخبره انها تحبه و ستفعل دوما..و لكنها كما قلنا كانت تكره الوداع و تعلم ان ذكراه تظل ماثلة فى خيال المرء لفترة طويلة.
ابتسمت ابتسامة زائفة اخرى..و تذكرت انه كان الوحيد القادر على كشف زيف ابتساماتها .. لطالما اخبرها الجميع ان ابتسامتها ساحرة..وحده هو لم يكن يحب تلك الابتسامة..كان يعلم انها حين تجد ما يسرها حقا لا تكتفى بالابتسام..بل تضحك ضحكة ملائكية الطابع لا تقل رقة عن كل ما يمت لها بصلة..و ان ابتسامتها التى يعشقها الكثيرون هى ستارا رقيقا تخفى خلفه ما تحسه حقيقة.
بعد فترة من الصمت الذى لا هدف له سوى تأخير الفراق قالت "فاكر لما كنا بنغنى مع بعض زمان هى دموع ولا اكتر؟" رفع عينيه اليها فى يأس "ايوة..فاكر"
"خلاص"..و ابتسامة زائفة اخرى "لو على سبب البعد حبيبى قلبى كبير و مقدر"
بدت قوية هادئة وهى تنهض و تجمع حاجياتها.."انا...اسف" نظرت اليه للمرة الاخيرة وهمست"بليز مافيش داعى لكل ده..انا عارفة ان الموضوع مش بايدك..طلب واحد بس قبل مامشى..بلاش تقوللى نفضل اصدقاء..انت عارف انى عمرى ماهقدر ابقى لك صديقة و بس..خد بالك من نفسك..باى"و اسرعت تغادر قبل ان يرى دموعها..و تركته ليريح رأسه على المنضدة و يسكب ما يثقلها من دموع.

الاثنين، 9 يونيو 2008

معرفتى فيه

"معرفتى فيك اجت عا زعل..معرفتى فيك ما كانت طبيعية"
لا اجد ما يصف "معرفتى فيه" بدقة كما تفعل كلمات فيروز.. رغم انه لا توجد ادنى علاقة بين بقية كلمات الاغنية و ما نحن بصدده.
"معرفتى فيه" جاءت فى اوج احباطى بعد ان اكتشفت ان قرارا من اهم ما اتخذت فى حياتى قد كان من الحمق بحيث رأى الجميع – ما عداى طبعا- عواقبة مذ اتخذته..بحيث صار الفشل فى التمادى فيه حتميا.. ليترتب على ذلك ان معرفتى فيه بدأت فى فترة اعادة بناء لكل مبادئى..تضمنت الكفر بكل مل آمنت به يوما..و الايمان بكل ما كفرت به ابدا..و التغيير الشامل الذى يصر الاخرين على تسميته "عقدة نفسية بثلاث فيونكات على الاقل" و اتمسك انا برايى فى تسميته " بداية عصر النهضة" و مرحلة من العقل و الاتزان كان يجب ان اصل اليها من زمن.."و اللى مش عاجبه يضرب دماغه فى الحيط".
معرفتى فيه افقدتنى الكثير من احساس التميز فى الكآبة الذى طالما شعرت به..بعد ان وجدت حصته منها تتخطى حصتى بمراحل..بل و بعد ان اكتشفت ان الطقوس التى امارسها عندما يداخلنى شعور الكآبة هى ذاتها ما يمارسه..ينقصها فقط ادمان التدخين و هى مرحلة اشعر انى سأصل اليها يوما.
معرفتى فيه اضافت الى علمى بضعة اشياء خفيت على قبل ان اعرفه..و اضافت الى حصيلتى الغنائية بضعة اغانى لم اسمعها بأذنى من قبل..و ان كنت لا شك قد سمعتها فى ذهنى لانها تصف حالى بدقة... وساعدتنى ان اذرف بضعة الاف جديدة من العبرات التى كانت تستعصى على قبل ان اعرفه.. و لشد ما اراحنى ذرفها و اشعرنى بالامتنان له..هذا اننى من الطراز الذى اذا اكتئب فتعذر عليه البكاء لا يجد له بديلا غير الانتحار كحل مثالى ..مع اننى لم اجرب هذا الحل ابدا و ان ظل احتمالا قائما ربما الجأ له يوما و ليرحمنا الله جميعا.
ان التفتيش عن اسباب كآبته التى كثيرا ما يخفيها عنى -نظرا للطبيعة العبثية التى غالبا ما تسيطر على حديثنا والتى تناسب جدا اثنين لم يمض على تعارفهما سوى شهرين او اقل- يضيف لى قدرا مناسبا من الكآبة تنهار معها مقاومة دموعى..لتنهمر مخلفة ذلك الشعور الجميل بالراحة الذى يتبع ساعة او ساعتين من البكاء المتواصل و الذى لا سبب له..لأبدو و كأننى " عدمت اهلى كلهم فى ليلة واحدة "كما تحب امى ان تصف منظرى فى تلك الحالات.
معرفتى فيه نتج عنها- دون ان يقصد او يعلم- نوبات من الثورة على الملل الذى احيا فيه..و على مجرى الاحداث من حولى.. وعلى الطرق التى رسمها لى اخرون لامشى فيها وحدى..و حين افشل فى الوصول للنهاية التى ينشدونها..يكون السبب هو تلكؤى و " دلعى" كما يرى كل من نصب نفسه الها ليخط لى قدرى و كل من جعلت انا من نفسى امة له بالاذعان الى رغبته دون نقاش.
معرفتى فيه جاءت زجرة من الاقدار لتردعنى عن ممارسة هوايتى المفضلة فى ان اكون صداقات مع اشخاص جدد لمجرد انهم يمتلكون القدر الكافى من الكآبة..و لتنبهنى - الاقدار- لما تجره على تلك الهواية من التعرض لجرعات مكثفة من هموم الآخرين..التى اضيفها الى همومى الخاصة ثم اتذمر فى بجاحة عن كون الحياة لا تطاق.
حقا لقد اضافت الى معرفتى فيه الكثير دون ان يدرى هو.. و حقا لم تكن معرفتى فيه طبيعية كما تقول فيروز...

الأحد، 8 يونيو 2008

نظرة تأملية على سنة من الجحيم

على اعتاب انتهاء العام الدراسى لا اجد ما يمنع نظرة اخيرة للوراء اتأمل فيها السنة المنقضية و انقب بين احداثها عن ما قد يصلح للتذكر لاحقا مع ما يناسبه من " يااااااااااااه..كات ايام!!!"
فى الواقع اذا نظرت لتلك السنة بعينى فلن تجد مبالغة فى قولى ان ابواب الجحيم قد فتحت لتلفظ تلك السنة الكئيبة..بل ان وصفها بالكآبة لهو تعدى سافر..و سب علنى لكل ما تحمله الكآبة من شفافية قاتمة قد تتوق اليها نفسك من آن لآخر..خاصة و ان كنت مريض نفسى على شاكلتى..ربما لو كنت امضيت عشر سنوات فى معتقل "جوانتانامو" او فى سجن "ابو غريب"...او فى غابة ما اهرب من آكلى البشر لشعرت بقدر اكبر من الراحة و الهدوء..
فشل دراسى؟ حدث بالفعل..عام تعس هو بشهادة الجميع..نجح فى سحق احلام التفوق بداخلى تماما...
فشل عاطفى؟ بالتأكيد..فشل ذريع اذا شئت الدقة من طراز الفشل الذى لا يستطيع سواى ان يحققه حتى لو حاول جاهدا بكل ما اوتى من حماقة..حتى ليجعلنى استحق عن جدارة جائزة "الفتاة الاكثر فشلا على الاطلاق لهذا العام" ان وجدت جائزة بهذا الاسم.
عاما امتزجت فيه مرارة ان يسلبك الموت اعز الاصدقاء .. و ان تسلبك الاقدار من تحب فى نفس الفترة..لتجد نفسك فجأة فى قاع بئر الوحدة..و تنتهى محاولتك الفاشلة الا تتورط فى اية علاقة جديدة فى تلك الفترة..بأن تتورط بالفعل خلال شهرين فى علاقة لا تدوم لاكثر من شهرين..ثم تنتهى تاركة ندوبا عميقة ربما لن يمحيها الزمن..تسبب لك وخزا مؤلما كلما تراءى لك شبح الارتباط من جديد..او كلما طرقت الذكريات بابك فى تحد لتنبهك لانك لم تنسى و لن تفعل و ان كنت تجيد التظاهر بالعكس.
اضف لهذا مئات من التفاصيل الصغيرة و المشاكل التافهة التى تتراكم لتحيل عالمك جحيما..و التى لا اجد الوقت ولا الرغبة فى ذكرها.. ناهيك عن رغبتى المتواضعة فى التمسك بالقدر القليل المتبقى من تفاصيل حياتى الشخصية التى لم انشرها بعد هكذا "على عينك يا تاجر" كما فعلت مع كل ما اضحيت تعرفه عنى الان.
و فى نهاية العام و نهاية تلك النظرة التأملية.. و بالرغم من فشلى فى العثور على الذكرى التى قد تشعرنى ولو بقدر ضئيل من الامتنان لاننى كنت ذلك الشخص فى ذلك المكان و ذلك التوقيت بالذات-لتكتمل بذلك سلسلة الفشل التى بدأت مع بداية السنة- لا اجد الا ان احمد الله من اعماقى انها-السنة لا اعماقى- انتهت اخيرا..شاعرة بعميق الامتنان لكل من وقف الى جانبى حين احتجت..و لكل من تحمل سخافاتى وكآبتى وعصبيتى وحمقى وتقلباتى التى اعجز انا شخصيا عن تحملها فى بعض الاحيان.

الأحد، 1 يونيو 2008

للاسف..هذه هى الحياة

المرة الثانية خلال 6 اشهر يفتح الموت جناحيه المقبضين ليضمهما بقوة على شخص اعرفه... وعلى خلاف المرة الاولى و لحسن الحظ - او لسوئه – لم تكن علاقتى بالمتوفى وثيقة هذه المرة..بل و اذا شئتم الدقة لم تجمعنى به اية علاقة على الاطلاق.. فكل ما اعرفه عنه انه " انكل حاتم جارنا اللى تحتينا" و "بابا بوسى" ابنة السبعة اعوام التى تملأ حفلات اعياد ميلاد الاطفال عندنا صخبا و ضجيجا..و"لؤى" الطفل الذى لم يتم عامه الثانى بعد..و الذى يعجز سكان عمارتنا جميعا عن النوم ليلا بسبب بكاؤه الذى لا ينقطع..و " جوز طنط صباح" البشوشة الرقيقة التى ربما بادلتها تحية الصباح مرة أو اثنين.بدأ الامر برمته منذ 3 ايام تقريبا..ابى عاد من العمل حزينا ليخبر الجميع ان "انكل حاتم عمل حادثة..و فى العناية المركزة...ادعولو"لتبدأ سحابة قاتمة من الحزن و القلق فى التخييم على المنزل...سرعان ما بددتها امطار غزيرة من البكاء المتواصل .. حيث لم يمضى يومين حتى علم ابى ان " انكل حاتم مات!!!".
انسابت دمعة او اثنين فور سماع الخبر ثم كان لابد لى من الانفراد بنفسى قليلا..وحيدة فى الغرفة جلست..و"بكرة انت و جاى" لفيروز- عشقى الاول - تنساب فى حزن لتضيف مزيد من الكآبة على الجو العام...لا ادرى لماذا تبادرت تلك الاغنية الى ذهنى عندما رأيت "طنط صباح" عندما كان الرجل لا يزال فى المستشفى.. ربما من نظرة حزينة فى عينيها الغائمتين بالدمع .. نظرة لها صوت مسموع يهتف فى الم : يا رب...
افكار كثيرة عن الموت و عن من ماتوا تحتشد فى رأسى حتى يكاد ينفجر..مشاهد كثيرة متوالية كفيلم سينما عن بوسى احيانا..و عن طنط صباح احيانا..وعن اخرون لا شأن لهم بالموضوع اصلا... وعبثا احاول ان استجمع صورة الرجل الذى لم اتبادل معه اكثر من "سلام عليكم" والتى قلتها دون ان اعلم انه جارنا اصلا...الدموع تتزايد و شعور غريب بالوحدة..و باننى افتقد كل من فقدتهم... يطبق على انفاسى حتى ليجعلنى اتمنى ان الحق بهم...حتى لا اجد مفر من ان اهرب الى فراشى لاحاول ان انام..فأمضى قرابة الساعتين اتقلب و انا فى كامل وعيى..ثم اتهض لأبدأ يوما جديدا يتصادف انه يوم امتحان "الفارما"..و انا مضطرة ان اكمل ما لم اكمله بعد من مذاكرة...و مع تلك الكتب و بين كل تلك الاوراق...لا اجد سوى فكرة واحدة تسيطر على تفكيرى..و هى ان مشكلة الحياة انها لا تتوقف من اجل احد..بل تستمر و بالايقاع الذى تحدده غير عابئة بما نريد..فتطيل من لحظات نتمنى لو انتهت سريعا..و تجعل اجمل اللحظات ...تلك التى نتتمنى ان تدوم للابد تمضى و كأنها لم تكن..فلا تترك سوى ذكرى شاحبة نتذكرها كلما خلونا الى انفسنا و لا نستطيع ان نمنع ابتسامة من الفرار من بين شفاهنا..نعم..هذه هى الحياة شئنا ام ابينا...

كلنا ذات الرجل-نظرية الزنازين الزجاجية

عندما يباغتك ذلك الشعور الممض بالحزن الذى لا مبرر له..و الذى يبنى حولك اسوارا من الوحدة لا تلبث ان تعلو و ترتفع حتى تعزلك عن الناس..بل و عن العالم...الشعور بانك منعزل عن كل ما حولك و من حولك..و ان الناس "فى وادى و انت فى وادى"... و الذى لا تجد له سببا...

الشعور بانك اذا نظرت داخلك لن تجد الا اكبر تشكيلة من علامات الاستفهام...و بان كل ما حولك قد صار سواء...تساوت اسماء الناس مع ايام الاسبوع و تساوى التقويم الهجرى مع الميلادى لتذوب السنين و تشكل مزيدا من علامات الاستفهام التى تزيدك بؤسا..اذا شعرت باى من هذا..فلا تقلق...كلنا ذات الرجل..

احيانا اندهش من قدر الناس التى تتفق معى بمجرد ان اتكلم عن الوحدة او العزلة او اية افكار كئيبة مماثلة حتى ليخيل الى احيانا ان كل من اعرفهم مكتئبين الى ان يثبت العكس...بل احيانا اشعر ان كل منا يحيا بمفرده فى" زنزانة" زجاجية ضيقة محكمة الاغلاق..يرى الناس يذهبون و يجيئون داخل" زنازينهم" الخاصة...يفرحون و يتألمون و يبكون و يحلمون...و احدا منهم لا يقدر ان يشارك الاخر فى اى من هذا..او ان يفتح باب زنزانته الخاصة ليتحرر من وحدته...
بل يزيد من اندهاشى توحد البعض مع زنزانته..و تعامله معها و كأنها جزء منه.. بل و رفضه التام لفكرة الخروج منها او حتى متابعة الناس من خلال زجاجها..وأسائل نفسى..هل هؤلاء احياء حقا؟

لا لن اطلب منك ان تخرج من زنزانتك لترى "جمال الربيع فى الخارج" و "تتنسم اريج الزهور" او تبحث عن "الاحلام التى ستتحقق سريعا"و "الشمس التى ستشرق لتزيل قاذورات الأمس من ذاكرتك"..فكلانا يعلم ان كل هذا هراء لا يقنع طفلا فى الثالثة..كما نعلم ان زنزانتك التى قد تضيق بها او تضيق بك احيانا هى بالنسبة لما يحيط بها "جنة تجرى من تحتها الانهار"...كل ما اطلبه هو الا تبقى بابها مغلقا طوال الوقت..لا مانع من ان تتسلل خارجها من حين لآخر...تشارك مسجونا اخر فى زنزانته و لو للحظات..او تهيم دون وجهة محددة لتتابع ما تعزلك عنه تلك الجدران الزجاجية..حتى اذا عدت اليها مرة اخرى عدت راضيا سعيدا...تحمد الله على ذلك الحبس الانفرادى الذى وهبك اياه.. بعيدا عن الجحيم الموجود فى الخارج.