السبت، 14 مارس 2009

أحلى الاوقات



السادسة صباحا-الميكروباص

القاهرة كما لم أرها من مدة تفرك اجفانها و ترتدى ببطء ثوب اليوم الجديد..قمر منتصف الشهر لم يزل ساطعا بعد بالرغم من أن أشعة الشروق الذهبية قد عرفت طريقها الى السماء..الشوارع خالية أو تكاد و الجو بارد نوعا..و أنا اعاند رغبة السائق و الجالس بجوارى و أفتح النافذة و أدع الهواء البارد يلمس وجهى و يضايق الجميع..لحظات من الهدوء شعرت معها اننى أفتح بابا معينا فى نفسى و أمنح اليوم فرصته الذهبية ليكون بالروعة التى اتمناها..

العاشرة صباحا-الشاطىء
حالة عامة من الجنون و الفوضى..ضحك يصل الى حد البكاء أحيانا..أحذية الفتيات أتلفها الماء المالح و الرمال تلتصق بأقدام الجميع..نوبة من العته تتمثل فى الاصرار على لعب الكراسى الموسيقية بحيث أطارد فتاة حول كرسى بلاستيك موضوع على الجزء الذى تبلله مياه البحر من الشاطىء حين تشغل أخرى أغنية " نعناع الجنينة" لمحمد منير كخلفية موسيقية.. تصفيق..ضحك..دعابات..ينتهى الامر بأن أقع على الرمال بعد أن دفع انتهاء الموسيقى الفتاه التى كنت اطاردها لأن تبعد الكرسى فى اللحظة الذى أقرر فيها الجلوس.. يتابع الجميع سقوطى ضاحكين و تلتقط "وغدة" ما صورة للحمقاء التى افترشت الرمال ضاحكة -أنا-

الحاديةعشرة صباحا-المنديل

تقرر البنات لعب المنديل لتصتف ثمانية فتيات على الرمال و الضحك من القلب هو أهم ما نشترك فى فعله..عند رقم بعينه أنطلق لالتقاط المنديل و اخذه و اعود جريا فقط لأسقط ثانية قرب مكانى و ينفجر الأوغاد ضاحكين..
- انتى جاية النهاردة عشان تقعى؟
يقولها أحدهم بالتهكم المناسب فأرد أنا بالاستعلاء المناسب لواحدة سقطت مرتين خلال ساعة و نصف و قد رفعت المنديل بانتصار :
- المهم انى أخدت المنديل
لينفجروا ضاحكين مرة أخرى..

الثانية عشرة الا ربع-البيكينى !!

أربع أو خمس فتيات يقطعن الشاطىء بالبيكينى و الكاش مايوه ليذبهل الجميع وترتسم نظرات عجيبة فى أعين الشباب..نتوقف عن اللعب و نقرر أن " نلحق رجالتنا قبل ما يضيعوا" و تقرر البنات أنه وقت صلاة الجمعه..و أن الشباب لن يبقوا على الشاطىء ولو لثانية فى وجود ذوات البيكينى..
- قوموا اتوضوا
-لسة شوية ع الصلاه
-هى كلمة واحدة..قوموا اتوضوا
ينصاعوا فى النهاية حانقين و يغادروا و قد التوت اعناقهم جميعا و نجلس نحن تحت الشمسية و ننفجر بضحك هيستيرى و تعليقات لاذعة على أثر البيكينى !!

الثالثة الا ربع-اللسان

الجسر الممتد الى قلب البحر كان المكان الأمثل لتأمل شمس العصر..جلسنا جميعا واضعين أقدامنا فى الماء حتى من يخشى البحر منا..القلب مفتوح على الأيام و البحر سعيد كما يقول درويش..دعابات حول رغبتنا فى القاء احدهم فى الماء ثم حالة هيستيرية من القاط الصور مصحوبة بالكثير من الضحك و النكات..لحظات خاطفة من الشرود ثم عودة سريعة للجو العام الذى يسيطر علينا منذ بداية اليوم.

الرابعة و النصف-البحر

فى البدالات الثلاثة التى استأجرناها لتمضية بعض الوقت فى البحر تتملك ركاب البدال الذى أركبه نوبة طرب مفاجئة لنشكل أجمل و أغرب جوقة ممكنة بدءا من "يا سلام سلم على رحلتنا بس يا رب نروح بيتنا" و حتى "وان لاقاكم حبيبى سلمولى عليه" و " يا عينى يا لا للى"..
اكتشف ان ساقى تؤلمنى و أنفاسى تتقطع تدريجيا و أن صحتى عموما لا تحتمل مقامرة قيادة البدال..الشىء الذى أتركه لسواى و أكتفى بالغناء و الضحك ووضع قدمى فى الماء..الشمس على البحر و من خلفنا الجبل منظر كافى لاغراق كل ما قد يضيق به صدرك..حالة من النشوة تجعل قلبك يتسع بحجم المحيط و ينبض بحب الحياة و الناس.. نوبة هيستيرية من رش الماء على ركاب البدالين الاخرين نتج عنها أن ابتلت ملابسى أكثر مما كانت لتفعل لو نزلت البحر بها مما أثار حنقى..
لانش الفتى صاحب البدال يأتى لاعادتنا بعد أن اكتشف محاولتنا اللئيمة فى "الاستعباط" و امضاء وقت أطول فى الماء..

الخامسة عصرا-الشالية

اقدام كثيرة حافية ملوثة بالرمال و الجينز المبتل بالماء المالح و احساس عام بالبلل و الفوضى و الكثير من حقائب اليد و الظهر مفتوحة لتتبعثر منها الملابس و أدوات الماكياج..المشهد بالطبع من شاليه البنات حيث نبدل ملابسنا استعدادا لرحلة العودة و حيث اكتشفت أن حماقتى انستنى ان احضر ملابس اخرى ليتحتم على العودة فى ملابسى المبتلة..فى انتظار دورى فى دخول الحمام أجلس على السرير اتابع ما يجرى مع ما يناسب الوضع من التهكم و التريقة..حركة غير طبيعية تدب فى المكان و الكل يجرى فى كل اتجاه
- حد معاه ماسكارا؟
- شنطتى فين؟
- الموبايل بيرن..كانسلى انا مش فاضية
- ايشاربى كان هنا محدش شافه؟
-هو مين اللى فى الحمام؟
- خلصى يا بنتى مش طايقة المية المالحة على جسمى ...الخ
فجأة يبدأ الجميع فى الغناء : "بايام البرد..و ايام الشتى..والرصبف بحيرة..والشارع غريق..تجى هاك البنت..من بيتا العتيق..ويقلا انطرينى و تنطر عالطريق..و يروح و ينساها و تدبل بالشتى.." و الى الآن لا ادرى سر جمال أصواتنا فى تلك اللحظات..ولا سر الحماس الذى تملك الجميع بالرغم من أن الارهاق كان يقتلنا .. فانطلقنا نغنى بكل ما فينا من حياة اغانى الرائعة فيروز..عشرة فتيات تقريبا يغنين من القلب و يضحكن من القلب.. مرحلة جديدة تبدأ مع "سألتك حبيبى" ..أشرد قليلا مع " لوين رايحين" و " من مين خايفين" دون ان اتوقف عن الغناء ثم يعاودنى المرح عند "خلينا خلينا و تسبقنا السنين"..يستعجلنا الشباب الذين انتهوا من تبديل ملابسهم فى دقائق بينما أمضينا نحن قرابة الساعة فى الشاليه.

السابعة مساءا-الحافلة

ظلام زاده أن اطفأ السائق الاضاءة النيون المعتادة و استبدلها بمصابيح خافتة ذات ضوء حالم فوق كل كرسى..صوت أم كلثوم الذى ما كنت لأختاره أبدا- لأننى كما تعلم لا أحب أم كلثوم- ولكنه يضيف للصحراء ليلا سحرا لن تفهمه الا اذا عشته..لحظات من الوحدة التى تفتقد فيها ان يجلس شخصا ما بجوارك تسترجعان أحداث اليوم معا ثم ينظر كلاكما الى السماء ممتنا ان منحته الآخر..أغمضت عينى و تظاهرت بالنوم .. و استرجعت مع نفسى أحداث اليوم..ثم نظرت الى السماء ممتنة اننى أنا..و أن يوما مثل هذا كان كافيا لغسلى من الاعماق..
القاهرة تلوح من بعيد و أضواء المنازل فى الأفق تلمع كابتسامة طفل دغدغه غريب فابتسم رغم خوفه...والركاب بين نائم و متحدث فى الهاتف يخبر ذويه عن موعد الوصول..الارهاق و البرد يغلب على الجميع .. نصل العباسية فى النهاية لنتودع جميعا و يمضى كل منا الى حال سبيله..

"أكيد مش محتاجة أقول ان دى كانت رحلة مع الكلية للعين السخنة :) "

السبت، 7 مارس 2009

هذيان وحسب

كانت البداية - شأن كل البدايات - جيدة..فالبدايات دوما جيدة و الا ما استمر الامر..
و كانت النهاية – شأن كل النهايات – مؤسفة..فلو لم يكن الامر مؤسفا لما انتهى اصلا..
ثم كانت الفترة التى لم يعرف ايهما من هو أو من كان الاخر و كيف اصبح الجميع..هل كنت كذلك منذ البداية أم اننى اصبحت كذلك بعد ما حدث؟ هل انا المخطىء ام الاخر؟ الى اخر تلك الاسئلة العبثية التى لا تفضى الى شىء اللهم الا المزيد من الالم..
و كانت بداية جديدة غامضة نوعا.. و كل ما هو غامض يغرى بالاقتحام..
ثم ازدادت الامور غموضا – على غير المتوقع - فلم تعد تغرى بالمتابعة

ثم ارهق الجميع بحثا عن اجابات لأسئلة لا يدرى احد الى الان من طرحها و لم طرحت ..
ثم كانت نهاية اخرى و كل النهايات مؤسفة فلو لم يكن الامر مؤسفا لما انتهى
ثم كانت فترة يحاول فيها الجميع تلافى البدايات الجديدة
ثم..كانت بداية جديدة ..
مختلفة .. ففى داخل كل منا ملول يبحث عن الاختلاف .. ولو كان الامر مشابها لأيا من البدايات السابقة لما تابعنا..
ثم تعقدت الأمور بطريقة أو بأخرى – ودائما ما تتعقد الأمور بطريقة أو بأخرى-
ثم تباعد المقربون .. ثم تقاربوا فتباعدوا أكثر .. فافترقوا..
وكانت نهاية مؤسفة..وكل النهايات مؤسفة.. فلو لم يكن الأمر مؤسفا لما انتهى..
ثم كانت فترة يفكر فيها الجميع فى اسباب تتالى النهايات المؤسفة
ثم كانت بداية و حسب..
ليس فيها ما يغرى بالمتابعة و لا تختلف الا فى انها تتشابه مع جميع البدايات السابقة فى نفس الوقت..
ثم بدأت الأسئلة فى الطفو فتجاهلها الجميع
فألحت
فاستمر الجميع فى تجاهلها
فانصرفت و تركتهم دون نهاية.. يعيشون البداية الجديدة ..

الاثنين، 2 مارس 2009

اخر الخط

فى منتصف الطريق الذى يقطعه السائق العجوز- سائق الحافلة الخضراء الصغيرة – جيئة وذهابا منذ تسلم ورديته لا ندرى منذ متى ولا يذكر هو .. نوعية الركاب لا تتغير تقريبا .. هناك دوما عجوز شمطاء تسرف فى مساحيق التجميل و ترمق الاخرين فى شك و تعال لا مبرر له .. و سيدة اربعينية على اغلب الظن موظفة ترتدى الحجاب والعوينات و تقرأ أذكار من كتيب ما .. ثلاثة من شباب الجامعه يضع اثنان منهما سماعه mp3 أو شىء من هذا القبيل بينما يشغل الثالث اغنية ما لهذا ال"تامر" أو ذاك على هاتفه المحمول.. هناك ثلاثينى عصبى لا يكف عن اجراء المكالمات أو تلقيها .. هناك فتاه جامعية لا تكف عن تعديل تسريحة شعرها و اخرى محجبة من سن مماثل تنظر الى كفيها او الى النافذة .. لابد طبعا من عجوز ثرثار لا يكف عن اعطاء التعليمات كأنه احد جنرالات الجيش و كأن انتقال النقود من الركاب الى السائق و انتقال التذاكر من السائق الى الركاب يحتاج خطة حربية محكمة.. و هناك اخرين لا معنى لهم يصعدون و ينزلون و الحافلة تسير..

- هل لاحظت يوما فى حافلة غير مزدحمة كيف يصر الناس على ان يجلس كل منهم بمفرده على كرسيين متجاورين حتى يضطرهم الزحام الى التقارب؟ ليس هذا شأننا بأية حال فحافلتنا ليست بالفارغة -
اغانى الشاب الجامعى ينافسها صوت عبد الباسط عبد الصمد من المذياع الذى يفتحه السائق على اذاعة القران الكريم بالرغم من عدم استماعه هو شخصيا – ناهيك عن استماع الركاب – اليه .. يصعد خمسينى اسمر و يمد يده للسائق بالنقود ليبادره الأخير بدعابته المعتاده " كام واحد؟" و لكن الرجل فيما يبدو ليس فى أفضل حالاته المزاجية ليتقبل دعابات سائق حافلة فيرد بحدة " شايفنى قدامك كام واحد؟" ليصمت السائق تماما و يناوله تذكرته صامتا و يأخذها الرجل صامتا و يقف لعدم توفر اماكن شاغرة.. حين يصعد مراهقان لا يكفان عن "التسبيل" لأحدهما الاخر .. و الحافلة بعد تسير.
يصعد عجوز فى اشارة ما مستأذنا السائق ان يدعه فقط حتى المحطة القادمة – دون اجرة بالطبع- ليرد السائق الذى زالت عنه روح الدعابة :" التذكرة اتنين جنيه..ممعكش انزل" فيكرر الرجل طلبه فى رجاء و يدعو للرجل بأشياء لا يعنيها ليكرر السائق رده فى حدة اكثر .. فيهم بالنزول حين تخرج فتاه ثمن التذكرة من حقيبة يدها و تقبض على معصم الرجل الذى هم بالنزول "خليك يا والدى" فقط ليدفع يدها بقسوة و يتمتم بأشياء لم تتبينها و يغادر..
صمت سخيف منذ نزل العجوز زاده أن نزل الشاب الذى يصر على مشاركة ذوقه الموسيقى المتردى مع الجميع قهرا .. بالاقتراب من نهاية الخط يأخذ الامر طابع لعبة الكراسى الموسيقية .. ينزل احدهم فى كل محطة و يعيد الباقون ترتيب أنفسهم على الكراسى الباقية.. الوجوه تزداد وجوما وكذلك العصبية فى صوت الثلاثينى اياه.. العاشقان مستمران فى التسبيل .. أو لعلهما اخرين؟ لا ندرى حقا فالوجوه تتشابه كما تتشابه افعال اصحابها..يتململ الجميع باقتراب المحطة الاخيرة و يتعالى صوت السائق لينبه الشاردين " ياللا اخر الخط"

حبيبتى الصغيرة السمراء

حبيبتى الصغيرة السمراء الفاتنه.. قصيرة القامة هى دقيقة الملامح ..واسعة العينين صافيتهما بحيث يمكنك ان ترى قلبها اذا اطلت النظر الى عينيها فهل قابلت ابدا من ترى قلبه من عينيه؟ هى كذلك .. حبيبتى الصغيرة السمراء التى احمل اسمها والكثير من ملامحها و القليل من طباعها فأنا دونها فى كل شىء .. فى حماسها و طاقتها .. فى قدرتها على تحمل المسئوليه و تحمل الآخرين و لكم حاولت التعلم منها فيما يخص تلك الاخيرة..حبيبتى الصغيرة السمراء تجاوزت الخمسين عاما منذ ما يزيد عن اربع سنوات و مع ذلك تبدو لمن لا يعرفها اصغر بعشر سنوات على الاقل من سنها الحقيقى (الله اكبر يعنى) ... واحدة من معجزاتها الصغيرة هى .. شبابها الذى احمد الله عليه اكثر مما احمده على شبابى انا ..على الاقل تستفيد هى من شبابها وكذا يستفيد الجميع على العكس منى ..حبيبتى الصغيرة السمراء التى مرت علاقتى معها بالكثير من المراحل احتملتنى فيها كثيرا و ضاقت بى احيانا و لم تكف عن حبى ولو للحظة .. الشىء الذى ما كنت لأفعله لو اذاقنى احدهم واحد على الالف مما اذقتها اياه .. و هى معجزة اخرى من معجزاتها الصغيرة.. لتتطور علاقتى بها من الحب الذى لم افهمه الى الكراهية لم اعلم مصدرها الى توتر غريب تلته فتره من الهدوء الذى يسبق العاصفة .. و العاصفة هنا ممثلة فى حب .. الكثير منه ايضا.. ذلك الذى يجمع بين العشق و الاعجاب و الارتباط بشخص ما بحيث يصير وجوده من الثوابت التى ترفض و بشده احتمال تغيرها .. بالنسبه الى ستظل دوما كما هى .. المرأة التى كفت عن كونها امى لتصير اختى الصغيرة و الكبيرة و صديقتى المقربة و ابنتى البكر و حبييتى الصغيرة السمراء .. و تظل دوما هى التعويض الامثل عن الكثير من اهانات الأقدار ..انا أحبها ليس انها أمى .. فقد تجاوزت علاقتنا الاطار - الضيق - الذى تدور فيه علاقة ام و ابنتها الى افاق اخرى من الحب لا يدركها سوانا .. ولكن احبها لكونها هى .. لكونها أنا .. لكوننا معا شيئا يستحيل على غيرنا فهمه .. بحسب ما اعلمه عنها فهى لن تقرأ هذه الكلمات ما حيت .. و ربما لن تعلم حقيقة ما اشعره نظرا لعجز شخصى فى التعبير عن مشاعرى نحوها..اعلم تماما اننى كثيرا ما اخيب املها و املها على كبير .. كثيرا ما تتوقع الكثير فلا تجد الا القليل و عندما تتوقع القليل لا تجد شيئا..اعلم انها كثيرا ما تقع فريسة لللا مبالاه التى اصبحت جزءا منى .. اعلم اننى كثيرا ما اتحول الى كارثة على قدمين .. ولكن ما اعلمه ايضا اننى وعلى الرغم من كل شىء احبها حبا لن استطيع شرحه و لن تستوعبه هى مهما حاولنا ..
حبيبتى الصغيرة السمراء و كما أقول دائما .. شكرا لحبك فهو مروحة و طاووس و نعناع و ماء .. وغمامة وردية مرت مصادفة بخط الاستواء ..