الجمعة، 20 نوفمبر 2009

ببطء .. كالنساء

كانت أياما مليئة بالموسيقى و الأكاذيب .. و كنا حمقى سعداء .. والآن .. لم نعد بالضرورة حمقى .. لكنا قطعا لسنا سعداء .. أتدرى؟ أفتقدك بشده .. أشعر بالسخف - ناهيك عن شعورى المعتاد بجنونى التام - عندما أسمع أنفاسك كلما عبرت الطريق .. لطالما كان صوت أنفاسك مميزا .. ولكن فكرة ملاحقه صوت أنفاسك لى فى الشارع تبدو مثيرة للقلق نوعا ..

اسرع باتجاه العياده .. اضبط نفسى أركض دون سبب كالعاده .. أردد لنفسى بيت الشعر الذى أفضله فى مثل تلك المواقف " سيرى ببطء كالنساء الواثقات بسحرهن وكيدهن .. " أضحك ساخره من نفسى التى تطلب منى أن أسير " كالنساء " كأننى لا أنتمى اليهن .. حمدا لله أن الشعر لم يكن ليستهويك والا كنت أمضيت دهرا فى المضى قدما بعدك .. فى الواقع لم يكن بيننا الكثير من القواسم المشتركه .. كل منا ينتمى الى عالم مختلف تماما .. ولكل منا شرفه واسعه يطل منها على الآخر .. عبر تلك الشرفه قضيت أمتع لحظات حياتى أحكى لك عن كتاب قرأته.. قصيده لمستنى .. أدندن لمنير و فيروز و تهز رأسك أنت فى غير رضا .. و من شرفتك غنيت لى أغانى عمرو دياب الجديده و حكيت لى عن جميع ألعاب الكمبيوتر التى لا ألعبها وأنا أرجوك أن تكبر قليلا .. تعبس .. تقطب كالأطفال و تتساءل فى براءه " هو أنا مش عاجبك كده؟ بجد عايزانى أكبر؟ " أتراجع فى الحال.. لا أستطيع أن أجازف بكل ما فى عينيك من براءة و أطلب منك أن تكبر لمجرد أننى أفضل منير على عمرو دياب أو لأننى لا أحب ألعاب الكمبيوتر " لأ يا حبيبى متكبرش .. خليك كده و أنا هعتبرك ابنى " .. هييه..هل كنا نعنى تلك الترهات حقا؟ أنا كنت أعنى ما كنت أقوله .. ترى هل كنت تعنى ما كنت تقوله بدورك؟

عندما رأيتك الأسبوع الماضى فى المؤتمر لم أصدق كم أنت أنت !! الى هذه الدرجه لم تتغير ؟ ذات الضحكات المجلجله التى لا يضحكها أكثر العامة سوقيه .. وذات الدمعه فى عينيك متى ضحكت من قلبك أو سعلت أو انفعلت أو مارست أى نشاطِ انسانى .. كانت عيناك تدمعان دوما دون سبب .. حله رماديه و رابطه عنق أنيقه .. شعرك بدأ يغادر رأسك الى غير عوده ولكننا كنا قد توقعنا هذا منذ زمن فلم يفاجئنى .. بل فاجئنى كيف احتفظت بتفاصيلك كامله .. لم تكبر يوما بينما أشعر بجوارك أنى عجوز شمطاء

- " ايييييييه ده معرفتكيييييييييييييش .. بقيتى واحده تانيه .. لأ لأ لأ ايه يا عم الشياكه دى بس و كعب عالى و بدل كلاسيك و ميك أب و قلق .. كان فين الكلام ده أيام الكليه "

- " وانت ما شاء الله زى مانتا صوتك عالى فشر تباعين الميكروباصات و حالتك كرب و لسه عينيك حمرا من آخر مره شفتك فيها .. شوفوله بروزولين يا جدعان بدل ما هو فاضحنا و عامل زى المدمنين كده "

- " رغم ان شكلك اتغير لسه لسانك طويل زى مانتى مفيش فايده .. انا قلت البت اتلمت بأه وعملت فيها بنت ناس

- " لأ و لسه .. بص "

أفتح فمى لأريك أننى أصلحت أسنانى المفقودة و يسقط فكك دهشة قبل أن تطلق صرخه

- "ايه دااااااااااااااا وأنا أقوووووول احلوت لييه احلوت لييه .. صلحتيهم امتى يا مصيبه؟"

- " لسه شايله الريتاينر من اسبوع"

- طب يا ستى الف مبروك

قابلنا معظم دفعتنا يومها و كان من الغريب أن يجدوننا معا بعد هذه السنوات .. فانفصالنا لم يكن هينا بالنسبه للجميع .. حضر كل منا المناقشات التى أردنا حضورها و اتفقنا أنك ستقللنى الى المنزل بعد المحاضرة الأخيره.. لم أصدق أنك اشتريت سيارة أخيرا و لم تصدق أنت أننى أخيرا سأركب معك سياره واحده .. لقد حمل اليوم الكثير من المفاجئات لكلانا .. لم يفتنى أن أنظر الى يمناك لأصعق بدبله فضيه تؤكد الهاجس الذى سيطر على منذ البدايه .. لقد خطبتها بالفعل .. لم أجد فى نفسى رغبه فى خوض المزيد من الصراعات النفسيه ولا أخفيك سرا لقد عزمت على التسلل بعد المحاضره الأخيره و العوده الى المنزل وحيده بدونك .. لا داعى للمزيد من وجع القلب فالتعافى منك لم يكن سهلا .. لكن الصدفه أبت ووجدتنى أهرب بسرعه كى انتهى فى حضنك دون أن أعى هذا .. أحاول الهروب منك فأصطدم بك ؟! كم هذا مثالى !!

فى الطريق الى السياره تلاحظ وجومى .. تبا كنت قد نسيت كيف تعرف دوما أن ثمه ما يشغلنى دون أن أنطق و مهما حاولت تصنع الهدوء .. نتناقش فى موضوعات المؤتمر و أجيب بمرح مفتعل .. فى السياره تضع يدك على المقود و تنظر الى دبلتك التى خنقتنى .. تخلعها و تلقيها على التابلوه باهمال

- كده فال وحش . و بعدين لو كنت خطيبتك كنت قتلتك

- بس انتى مش خطيبتى

تقولها معابثا دون أن تدرى كم كنت عنيفا و كم جرحتنى .. يزداد وجومى فتتدارك الموقف فى الحال

- أنا أصلا مش خاطب .. أنا لابسها كده عشان البنات السمجه اللى معانا فى السنتر .. بجد بشعين .. قلت انجز و أخليهم يصرفوا نظر عنى خلينا نشوف شغلنا .

رباه .. هل تعنى ما تقول؟ لم ترتبط بها؟ الى الآن؟ أم انفصلت عنها أم ماذا؟ لعلك لم تتعلم أن تكذب على فى أعوامنا الثلاثه الأخيره .. ثم لماذا يهمنى الأمر الى هذه الدرجه؟ هل جننت؟

- خلاص يعنى عمر الشريف يا خىُ هيموتوا بعض عليك؟ بلا نيله

- أيوه عمر الشريف بأه .. ولا مش عاجبك؟

أتذكر انها كانت دعابتنا المفضله .. كذا ولا مش عاجبك .. أجيب بخجل عاجبنى طبعا ..أنساق الى الدعابه و أجيب ناظره اليك : "عاجبنى طبعا " .. تبتسم ولا تعلق .

تسألنى عن حالى ولم لم أتزوج .. أجيب بأنى " لسه بكون نفسى " تضحك و تكرر السؤال فأجيب " مجتش مناسبه" تضحك كثيرا هذه المره .. " انتى لسه ضايعه زى مانتى " فأجيب بجديه لم تتوقعها " و انت لسه زى مانتا .. ف كل حاجه ..."

تمر لحظه صمت جاده .. " وحشتينى أوى .." هل قلتها حقا؟ أم ترانى عدت للهلاوس من جديد؟ لابد أنك قلتها .. عيناك تبدو كعينى شخص اعترف لتوه أننى " وحشته أوى " .. أنظر اليك طويلا .. طويلا جدا .. و تتسع ابتسامتى و أنا أبحث عن ردا ذكيا .. تبوء محاولات التحذلق بالفشل فأعلن استسلامى " وانت كمان " .. نستغرق فى الحديث كأننا افترقنا أمس .. نتبادل دعاباتنا المعهوده .. نجد أنفسنا أمام منزلى خلال دقائق ..

- " مبسوط انى شفتك بجد عايزين نرجع نتلم تانى احنا و بقيه العيال"

تقولها ببرود يصدمنى فأكاد لا أصدق أنى سمعتها !! كأنك تخاطب أحد أصدقاءك .. كأننى لم أكن يوما .. لم أكن.. أنا!! كيف؟

لا أدرى كيف ابتسمت ووعدتك أن " أكيد ان شاء الله " .. ولا كيف حملتنى قدماى الى خارج سيارتك والى سلم العماره و الى السرير .. ولا كيف مضى الأسبوع الماضى فى الواقع .. كل ما أعرفه أن أنفاسك عادت تلاحقنى فى الشوارع منذ ذلك الحين .. و أنك اختفيت تماما كما فعلت فى المرة السابقه .. وأن .. حسنا ها قد عدت لمبدأ أن النهايات السعيده لا توجد الا فى الافلام الرديئه .. طالما أخبرت نفسى أن الأسوأ كله يكمن فى الأسبوع الأول .. بعدها تجد الحياه طريقتها للاستمرار.. قررت ان الأمس كان نهاية الأسبوع الأول .. و أن اليوم بدايه جديدة تستحق ابتسامه .. أطرد أنفاسك من رأسى .. و أبتسم و أنا أعبر الطريق وحدى تماما .. وحدى لكن ونسان كما يقول جاهين و يغنى عزيزى منير .. تتسع خطواتى تدريجيا كما يحدث كلما أقبلت على الحياة لسبب أو لآخر..ها أنا ذا عدت للركض دون سبب مرة أخرى .. أذكر نفسى بالتمهل ..و أردد لنفسى بيت الشعر الذى أفضله فى مثل تلك المواقف " سيرى ببطء كالنساء الواثقات بسحرهن وكيدهن .. "

سأسير ببطء و سأتعافى منك ببطء أيضا.. كالنساء الواثقات بسحرهن و كيدهن

سيرى ببطء يا حياة كى أتأملك ..

أسير ببطء

كالنساء الواثقات

بسحرهن

ببطء .. ب ب ط ء


البيت من قصيده الرائع محمود درويش " الآن فى المنفى"