الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

تنذكر ما تنعاد

كانت خطواتها واثقة خفيفة كمن يحب لأول مرة ، أو كأنها تخطو فوق سحابة وردية من غزل البنات وضحكتها صافيه جدا و كأنما عاد بها الزمن خمسة و عشرين عاما للوراء ، وكأنما تتعرف للمرة الأولى على لذة أن تتخذ قرارا وتنفذه فى الوقت الذى تحدده هى ، كنت أعرف هذا الشعور فتركتها تستمتع به لأقصى مدى ..
- عايزين نشرب حاجة احتفالا بالمناسبة السعيدة دى
- حاجة ايه؟
- قصب طبعا .. مشروب السعادة .. ولا انتى شايفة ايه؟
- وهو كذلك ..
توقفنا عند أقرب بائع عصير فى الميدان الواسع وشربنا معا نخب طلاقها بعد خمسة وعشرين عاما من المعاناة ..
- فلتحيا الحرية
قلتها ضاحكة فأومأت مواقفة قبل أن تشرب ما تبقى فى كوبها دفعة واحدة ..
عندما ركبت القطار هذا الصباح لزيارتها بهدف تهدئة الأمور بينها وبين زوجها لم أكن على أدنى علم بما كانت هذه المسكينة تعانيه طوال هذه المدة .. وكنت أحلم بأن أنجح فى إعادة الأمور لسابق عهدها الذى كنت أظن أنا فيه استقرارا عائليا .. ليس لها وله فقط ، ولكن للأولاد قبل أى شىء .. بالرغم من الانقباض الذى لازمنى منذ ان استيقظت من حلم سخيف وجدتنى فيه فى منزلها وجدارا ما يتهدم بسبب تسرب الماء إليه من السقف .. من وقتها وأنا أشعر ان مكروها سيقع .. وأن الأمور ستسير فى عكس الاتجاه الذى أريده لها ..
انتهينا من القصب و توجهنا إلى محطة الترام أو كما تسميه " الزقزوقة " .. وجلسنا بانتظار الترام الذى سنستقله إلى رمسيس .. حيث محطة القطار الذى سيحملنى الى منزلى يلازمنى وإلى الأبد إتهاما مِن زوجى وأبنائى وكل مَن لم يحضر طلاقهما بأننى " جيت أكحلها عميتها " ...
- أهه المترو جه
- لأ ده اللى جاى من رمسيس ، بتاعنا ماشى كده
أشارت بيدها إلى الاتجاه الصحيح ، مما أشعرنى بالخجل من جهلى الدائم بالطرق والمواصلات بالرغم من تعدد زياراتى لها بالقاهرة ..
كنت أعلم أن زوجها ليس بريئا كما يدعى ، فأنا أعلم طباع أختى تمام العلم ، كانت أكثرنا حنانا ورومانسية إلى حد السذاجة ، وكانت قدرتها على التسامح تدهش الجميع .. لابد أنه أخطأ وبشدة كى تتحول إلى هذه المرأة القاسية التى فاجأنى بها اليوم حتى وددت أن أصرخ فى وجهه " انت ازاى خليتها بقت كده ؟ " ...
- أهه المترو جه اهه
قالتها فقفزنا إليه ووجدنا مكاننا بسهولة ، ربما لأن الساعة تجاوزت العاشرة مساءا فليس الإقبال عليه فى أوجه .. بجوار النافذه جلست هى وفى مواجهتها جلست أتأملها .. كانت تبدو مشرقة كيوم أخبرتنى عنه للمرة الأولى .. دعك من آثار الزمن التى بالكاد تبدو على وجهها الطفولى رغم كل شىء .. بدت حيوية وعاد بريق عينيها شديدا كما فى ذلك اليوم ، عندما سألتها عنه فأجابت وهى تكاد تطير :
- عارفة كل حاجة حلمت بيها فى يوم من الأيام ؟ هو ده ..
رباه .. لماذا إذن انتهى الأمر بهذه الطريقة المأساوية ؟ وكيف ظلت هى خمسة وعشرون عاما تخفى عنى و عن الجميع حقيقته التى اكتشفتها بعد زواجها منه بأيام ؟
تكرر مشهد طلاقها فى ذهنى وتذكرت كيف ظلت حتى اللحظة الأخيرة محتفظة بهدوئها وثبات أعصابها ...
- انتى عايزة ايه دلوقتى؟
- عايزة اتطلق .. طلقنى ..
ظلل يكرر سؤاله وظلت هى تكرر جوابها بذات البرود ، وكدت أنا أفقد الوعى عندما قال لها بغضب " انتى طالقه "..
حينها انفجرت تسرد تفاصيل زواجها التعس الذى أخفته منذ زمن ، تاريخ مقزز من سوء المعاملة و الإهانه التى وصلت كثيرا الى حد الضرب ، الكثير من السباب و التجريح ، الكثير من الشك وعدم الثقة ، الكثير من الخيانة التى لم تستطيع المسكينة تحملها أكثر من ذلك .. والتى كانت السبب فى نهاية الموضوع .. أخبرته بسخرية أنها أتمت الأشغال الشاقه المؤبدة التى كتبت عليها منذ تزوجته حتى آخر المدة .. وآن لها أن تحظى بحريتها الآن .. وواجه هو الأمر بالكثير من الصمت ..
كانت تعبث بأصابعها فى دبلتها الذهبية فسألتها عما تنوى فعله بشأنها فقالت أنها ستحتفظ بها فى إصبعها رغم كل شىء .. ليس تمسكا منها به وإنما كى لا يثير الأمر الكثير من التساؤلات ، فلم تكن تنوى إذاعة الخبر ، خصوصا وأن أيا منهما لن يغادر المنزل ..
- اللى يريحك يا حبيبتى
- مش فكرة اللى يريحنى انا مش قادرة أقولك الدبلة دى حاليا خانقانى قد ايه ، بس الفكرة انى مش ناوية أقول لحد فى الشغل ولا فى صحابى .. مش عايزة جو مصمصة الشفايف والطبطبة و " اخص عليه الخاين " .. خلينا كده أريح .. واذا كنت استحملته هو شخصيا خمسة و عشرين سنه ممكن أستحمل دبلته كام سنه كمان لحد ما ييجى قضا ربنا ..
- بعد الشر عليكى يا حبيبتى ربنا يديكى طول العمر
ابتسمت .. كانت تسوية بقاء الاثنين فى المزل مع استقلالها بملابسها وفراشها فى حجرة أخرى هى آخر ما توصلنا إليه من أجل الأولاد .. وكانوا - الأولاد - على الرغم من صغر سنهم نسبيا متفهمين تماما لحقيقة الوضع الجديد ، وعلى ثقة تامة أنهما اتخذا القرار الصحيح أخيرا ..
- هو البتاع ده بيقف كل كام متر كده ليه؟ كده ممكن منلحقش القطر
- متخافيش احنا نازلين بدرى عن معادنا بساعة مخصوص عشان نركب الزقزوقة .. كنت محتاجه شوية الفرجه دول أوى دلوقت ..
ابتسمت .. مازالت - بعيدا عن كل شىء - محتفظة برومانسيتها وقدرتها على أن تجد الجمال فى كل ما يحيط بها .. كيف استطاع ان يجرحها ؟ كيف استطاع أن يهينها ؟ وما الذى لم يجده فيها ليبحث عنه لدى سواها ؟ بل كيف استطاعت هى التعلل بالأطفال للاحتفاظ بزواجها منه بعد كل هذا ؟ كاد عقلى ينفجر بينما بدت هى راضية هادئة مستمتعة بالوضع الجديد ..
أخذنا الحديث عن تفاصيل ما حدث وتناقشنا فيها ثانية .. كيف بدا هو مذهولا بعد ما حدث وحاول التحدث معى بعدها عن ردها وما إلى هذا .. وكيف رفضت هى ومازالت ترفض مجرد الحديث عن الأمر كخيار قائم رفضا باتا .. من أين لك كل هذا التحدى يا صغيرتى ؟ ومن أين لك كل هذا العناد ؟
كنا قد وصلنا إلى رمسيس أخيرا .. القطار وصل وباقى على موعد قيامه ما يقارب نصف الساعة .. ليس من المنطقى أن تنتظر معى كل هذا لذا وبمجرد أن استقريت فى مقعدى طلبت منها المغادرة حتى لا يتأخر بها الوقت عن هذا .. ولم أسمح لها بالرفض هذه المرة ..
- مع السلامة يالا و خلى بالك من نفسك ومن عيالك ، ومتحتكيش بيه خالص انتى فى حالك وهو فى حاله
- من غير ما تقولى احنا كان بقالنا شهرين منفصلين ومبنكلمش بعض من غير طلاق .. فاللى حصل النهاردة كان مجرد رسميات مش هتغير حاجه .. انا بطلت اعتبره جوزى من زمان ..
أطرقت مشفقة .. ولكننى كنت أعلم انها لن تتحمل نظرات الرثاء فتجنبتها ..
- حلو أوى .. ارمى كل اللى فات ده ورا ضهرك وانسيه.. وخلصى عدتك يالا عشان نجوزك تانى بسرعه .. عايزين نسترك
قلتها ضاحكة فانفجرت بالضحك .. مرددة أنها لا تطيق النظر إلى أى شىء مذكر بعد الآن ...
- بيتى مفتوحلك فى أى وقت لو عايزة تسيبيه .. متفكريش
قلتها بالجدية المناسبة وكنت أعنيها .. أومأت شاكرة دون كلام .. واحتضنتها طويلا قبل أن تغادر القطار .. وعندما رأيتها تمر بجوار نافذتى لوحت لها فلوحت ومضت .. بخطواتها الواثقة الخفيفة ، وكأنها تخطو فوق سحابة وردية من غزل البنات ..

الخميس، 21 أكتوبر 2010

الجزء الأخير - بيذكر بالخريف

إهداء : إلى حبيبى ، فيروز وزياد

لا يعلم الطفلين سبب إصرارنا على الإحتفال ببداية الخريف كل عام وكأنها مناسبة خاصة .. فالفصول تتابع طوال العام و كل عام ولكن لا يزال الخريف هو فصلنا الخاص .. فصلنا المفضل .. وبداية الخريف تحديدا تعنى لى وله الكثير مما لا يعرفه الأولاد ..
كنا قد عدنا للتو من سهرة بداية الخريف المعتادة .. الآولاد فى السرير منذ ساعات .. وقد حرصنا على ابقائهم كذلك .. بدلنا ملابسنا و نحن نكتم ضحكاتنا .. يصر أحمد على ان نزور كل الأماكن التى شهدت على ما حدث منذ عشرة أعوام .. ويولد الأمر نفس حالة الضحك الهيستيرى كل عام .. نفس الكافيه حيث بدأ كل شىء .. نفس المكان على الكورنيش .. الشقة التى اعتادت رنا و سلمى الإقامة فيها .. أتظاهر كل عام أننى لم أسامحه على ما فعله بعد .. وتنطلى حيلتى عليه فيأخذه الاعتذار ..
- مش مسامحاك وهفضل طول عمرى مش مسامحاك .. أنا كانت هتجيلى سكته قلبية لما ملقيتكش انت ولا العربية
- يعنى تفتكرى بعد كل ده كنت هسيبك ؟ دانتى نبيهه جدا
- انت بالذات متتكلمش عن النباهة .. قال كنت بركن قال
- طب والله خفت أبوكى يعمل حاجة فى العربية وهو نازل مش عارف ليه ، قلت أركنها بعيد أضمن
ونضحك مرة أخرى .. نتذكر ضاحكين دخوله شاهرا عقد الزواج العرفى - الذى كنا كتبناه منذ لحظات حتى خشينا أن يفضحنا الحبر - فى وجه أبى طالبا منه أن " شيل إيدك من على مراتى" .. كيف ظن أبى أنه فقدنى للأبد وكاد يموت قهرا ..
كيف ظل أحمد ولمدة أسبوع يحاول مقابلة والدى حتى قابله أخيرا و شرح له - بمعجزة ما - حقيقة الأمر قائلا - كما علمت فيما بعد - " ما حضرتك عارف مريم .. مجنونة و كان لازم اطاوعها عشان متفتكرش إنى بتخلى عنها و عشان أقدر أبقى جمبها وآخد بالى منها " ..
- أنا مجنونة أنا ؟
أحاطنى بذراعيه وهمس " انتى شايفه إيه؟ "
انسللت من ذراعيه ضاحكة وأنا أتذكر كيف وافق أبى بشق الأنفس على خطبتنا .. بعد أن حطمت لعبتنا الصغيرة أعصابه ، وبعد ان سمحت له الظروف بالتعرف إلى حقيقة أحمد ، وشخصيته التى ما كان ليجد أفضل منها زوجا لابنته .. وكيف وافق والداه على اتمام زفافنا فى أسرع وقت بعد أن عدت إلى المنزل ، إذ لم يعد هناك مبررا لبقائى لدى رنا وسلمى بعد أن فزت بعملى وحبيبى .. لم تسامحنى أمى إلا يوم زفافى .. بكت يومها كثيرا ، وبكت رنا وسلمى كما لم تبكيا من قبل ،وبكت أم أحمد ، وبكيت أنا بالطبع .. كان يوما حافلا بالبكاء كما ترى ..
لم يسامحنى أبى إلا يوم ولادة ياسين رغم علاقته الجيدة بأحمد طوال هذه المدة ، أخبرنى يومها أننى الآن فقط سأعرف شعوره تجاهى وقتها ، الشىء الذى اعتبره تعويضا مناسبا .. والذى أدركت صحته تماما فيما بعد ، وازددت يقينا منه مع ولادة مريم الصغيرة ..
تخلصت من عقدتى مع الكنارى بأن وعدنى أحمد أن نجعل لها غرفة خاصة فى منزلنا الجديد الذى ننوى الانتقال إليه قريبا ، كى لا تعيش سجينه قفص ما ولا تتخبط بأجنحتها الضعيفة بره الشبابيك ..
كانت حياتى مع أحمد و مازالت رائعة كما علمت أنها ستكون .. مررنا بالكثير معا وكثيرا ما اختلفنا ، ولكن احترامنا لطباع أحدنا الآخر كان سر سعادتنا ، ولم يخذل أيا منا الآخر أبدا .. كان يجيد احتوائى ويشعرنى بالثقة ، يحمينى من تهورى دون أن يحجر على أفكارى .. يحترم رغبتى فى الخروج أحيانا عن المألوف وإن لم يحققها طوال الوقت .. يحبنى بطريقتى .. ومازلنا حتى اليوم نحتفل سرا بذكرى زواجنا العرفى المزعوم ، مع بداية كل خريف ..

الجزء التاسع - عندى ثقة فيك

عندما كلمتنى رنا منذ ساعة كان صوتها موحيا بأنها على وشك الإصابة بذبحة صدرية .. كان احمد معى فطلب التحدث إليها ونجح فى طمأنتها بعد أن أصبحت طمأنة الفتيات المذعورات هوايته المفضله ..

- احنا ساعة وهنكون عندك يا رنا .. متقوليلهومش انك كلمتينا

- دانا قايلالهم هخش أكلمك

- قولى الموبايل مقفول .. دانتى نبيهه جدا واحنا هنقفله عشان لو طلبوا تانى .. تمام؟

- متتاخروش

أغلقت هاتفى وبقيت أنظر إليه بقلق .. ليس أننى لم أتوقع - للحظة - أن يحدث هذا عاجلا أو آجلا .. ولكن حدوثه حقا والآن بالذات يبدو مفزعا ..

- انتى قلقانه ليه دلوقتى ؟ ماحنا كنا عارفين ان ده هيحصل

- مكنتش عايزة الأمور تمشى كده

- معلش .. هتعدى على خير .. المهم مش عايزين عك ..التماسك .. الهدوء .. البرود .. عدى من واحد لخمسة قبل ما تتكلمى

بالرغم منى ضحكت وأنا أتصور نفسى فى وسط شجار عنيف أعد من واحد لخمسة قبل كل كلمة .. ابتسم لى وضغط كفى مطمئنا

- بحبك .. فاهمة؟

- فاهمة

إلى منزل رنا توجهنا فى سيارته و تحت البناية توقف و طلب منى الصعود بمفردى كما اتفقنا ..

- لو الأمور اتأزمت بصيلى من الشباك .. ومتخافيش .. أنا جوزك .. تمام؟

فى المصعد اخذت أستعيد ذكرى الشجار الذى تسبب فى كل هذا من البداية ..

- وانتى بتدورى على شغل ليه ان شاء الله ؟ ناقصك ايه؟

- ناقصنى انى أشتغل وأبقى بنى آدمة .. أنا مش طموحى إنى أقعد فى البيت

- طموحك إنك تشتغلى فى شركة تردى على تليفونات .. بعد تعب خمس سنين فى الكلية

- والله الخمس سنين دول أنا اللى تعبت فيهم مش أى حد تانى وانا حرة فى مجهودى .. وأكيد قعادى فى البيت تضييع أكتر للمجهود ده

- ليه انتى مش ناوية تحضرى دراسات ؟

- مش دلوقتى و مش على حسابك

- ليه ان شاء الله؟ مانتى دراستك كلها كانت على حسابى ، ولا نسيتى؟

- لأ منسيتش وعشان كده بقول كتر ألف خيرك لغاية هنا .. وأفتكر ان انت مفوتش يوم من غير ما تفكرنى انك بتصرف عليا وكانك بتعمل فيا جميل مش ده الطبيعى اللى كل أب بيعمله مع ولاده

- احترمى نفسك واتكلمى بأدب

- أنا آسفة بس موضوع الشغل ده نهائى بالنسبالى

- طب مفيش شغل .. وأنا عارف انك عايزة تشتغلى عشان تتجوزى البيه اللى انتى ملمومة عليه عشان عارفة انى مش هصرف مليم واحد فى جوازك منه .. بس يكون فى علمك مش هجوزهولك طول مانا عايش ..

- وايه علاقة أحمد بالموضوع دلوقتى؟

- هى كلمة واحدة .. وده بيتى ..عاجبك تعيشى معايا على كده أهلا وسهلا مش عاجبك امشى

هكذا بدأ كل شىء ..

كان المصعد قد توقف منذ زمن .. أدرت المفتاح فى الباب ودخلت ... وتتابعت الأحداث حتى وصل الأمر إلى الفيلم العربى سالف الذكر ..

نهضت باتجاه النافذه ببرود شديد .. لم أجد أحمد ولا السيارة !! كدت أفقد الوعى ولكننى تماسكت ..
أنا بحبك .. فاهمة؟
أنا بحبك .. فاهمة؟
ترددت كلماته الأخيرة فى عقلى كمزحة قاسية .. هل هذا ممكن؟
لابد أنه فى مكان ما يركن السيارة و سيعود .. كان هذا آخر ما أحتاجه الآن .. أن أضطر إلى إثبات حبه لنفسى قبل أن أثبته لوالدى .. وماذا عما اتفقنا عليه ؟ يا الله هل يمكن أن يتخلى عنى هكذا و الآن و بعد ما حدث ؟
كفى غباء .. لا وقت للهلع الآن ، أحمد يحبنى وأنا أعلم هذا ولابد أنه خلف باب الشقة فى هذه اللحظة بالذات ..
استدرت وبهدوء قلت :
- تفتكر إنا كده هخاف وأقولك يالا بينا عالبيت ؟ وبعدين أنا مقدرش أتحرك من هنا إلا بإذن جوزى ..

كانت الصدمة على ملامحه تعويضا مناسبا عن صفعته .. منعه اندهاشه من النطق لحظيا فأجابت عن السؤال الذى لم يسأله :

- أنا وأحمد اتجوزنا عرفى من يوم ما سبت البيت .. وهنتجوز رسمى لما بيتنا يجهز ..

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

الجزء الثامن - لما استحكمت حلقاتها

هناك مواقف تخبرك نفسك أنك ستتذكرها بعد عشرين عاما وتضحك من مدى سذاجتك إذ ظننت أنها نهاية الكون ، و هناك مواقف تجعلك تتساءل عن مكانك بعد عشرين عاما ..
هكذا اعتدت ان أصنف مواقفى الصعبة كى أسهل على نفسى اجتيازها .. فإذا تمكنت من تخيل نفسى بعد عشرين عاما أجلس بشعرى الأشيب بين ذراعى أحمد وأذكره بها فنضحك كثيرا ، أطمئن إلى أنه سيمر بسلام .. أما موقفى الآن فيجعلنى أتساءل .. هل سأكون بين ذراعيه بعد عشرين عاما؟ وإذا لم أكن فأين سأكون ؟
كنا فى السيارة صامتين نتجه - بناء على طلبى - إلى الكورنيش ، لرغبة عارمة اجتاحتنى مؤخرا فى لعب دور " الحبيبة " على الكورنيش .. بالطبع مع ما يتطلبه الموقف من اللب و الترمس و الورد البلدى الذابل " لزوم العاطشفه " ..
كان أحمد عاديا بما يؤكد انه لا يعلم شيئا .. ما زالت مترددة نوعا فى اخباره ما حدث .. ثم أنهى هو ترددى فى الحال :
- فى ايه يا مريم ؟ انتى حد كلمك النهارده ؟
أومأت إيجابا .. نظر إلى متسائلا .. فأجبت :
- مامتك !!!
أخذه صمتا طويلا ثم زفر ببطء :
- قالتلك ايه؟
- قالت اللى قالته .. هو انت إيه موقف أهلك من جوازنا ؟ و ايه اللى عرف مامتك أصلا إنى سبت البيت ؟
- عارفة لحظات الغباء اللى بتنزل عليكى تخليكى تقولى كلام غلط للشخص الغلط وانتى مستنية رد فعل معين فتلاقى عكسه ؟ تقريبا هو ده اللى حصل ..
نظرت إليه بإشفاق .. ربتت كتفه باسمة فأمسك كفى وقبله ..
- أنا معاكى .. وجوزك مهما يحصل .. تمام؟ أمى بس الوضع الغريب ده مخوفها وده طبيعى جدا .. انتى قلتيلها إيه؟
- قلتلها إنى مش هتنازل عنك أبدا مهما يكون
قلتها ضاحكة فابتسم .. لم أقابل فى حياتى ابتسامه بهذه الروعة .. وعينان تحملان كل هذا الحنان ..
- إنتى اكيد عارفة انى انا كمان مش هتنازل عنك أبدا مهما يكون .. بس فى نفس الوقت مش عايزهم يبقوا غضبانين علينا .. مش معنى ده ان علاقتنا شىء قابل للتفاوض بالعكس أنا كلامى معاها كله على أساس ان الموضوع منتهى و عشان كده هى كلمتك .. عارفه ليه ؟
- ليه؟
- عشان تشوف هل انتى كمان متمسكة بيا كده ولا ممكن تستسهلى و تبعدى لو الدنيا اتعقدت ..
- يا بنت الإيه
- بنتتتت .. أمى يا ضايعه ..
ضحكنا .. كم أحب علاقته بأهله .. طفلا مهذبا وابنا بارا ورجلا يعتمد عليه .. يحافظ باستماته على الشعرة الرفيعة بين بر والديه و احتفاظه بشخصيته وقدرته على اتخاذ قراره .. الحمد لله أن هذا الرجل الرائع لى .. ولى وحدى ..
أمضينا وقتا رائعا على الكورنيش .. هل تعرف تلك الأوقات البسيطة التى تمضيها فى السير و الثرثرة .. فتغسل روحك وتشعرك بالأمان ؟ هذه هى .. وهذا بالضبط ما كنت بحاجة اليه .. فالكثير من الأوقات العصيبة كانت بانتظارى ..
**************
لم أكد أدخل من باب الشقة حتى تسمرت قدماى ولوهلة هممت بالتراجع .. أبى وأمى !!
هذا لا يحدث حقا
هذا لا يحدث حقا
هذا لا ..
- مريم .. فينك ده أنكل و طنط هنا من ساعة ..
قالتها رنا بالارتباك المناسب .. هى وحدها فى المنزل فسلمى لم تعد بعد وعيناها توحى بانها تتوقع مذبحة ما ..
اللعنة .. هذا يحدث حقا .. لن أقرأ لأحمد خالد توفيق ثانية ما حييت ..
التماسك .. الهدوء .. البرود .. عدى من واحد لخمسة قبل ما تتكلمى ..
- نعم .. خير؟
- كنتى فين ؟
قالها الوالد بالغضب المناسب .. 1 2 3 4 5
- عالكورنيش
- بتعملى ايه عالكورنيش؟
1 2 3 4 5 .. نفس عميق
- بتمشى .. خير؟
- إتفضلى لمى حاجتك عشان تروحى
1 2 3 4 5 .. نفس عميق .. جدا
- أروح فين؟
- البيت
- بيت مين؟ بيتك ؟ انت مش قلتلى عاجبك تعيشى كده عيشى مش عاجبك امشى ؟ انا معجبنيش ومشيت .. إيه اللى اتغير عشان أرجع ؟
- اتكلمى بأدب و قومى لمى حاجتك ونتكلم لما نروح
شعرت الفتاة بالهلع .. أنا حقا آسفة يا رنا ولكن لابد من أن تتم هذه المواجهة هنا .. فأنا لن أغادر مهما حدث .. 1 2 3 4 5 .. نفس عميق
- أنا مش هروح غير لما ألاقى سبب لده .. هل فى حاجه اتغيرت ؟ موقفك اتغير من شغلى او من جوازى ؟ معتقدش .. يبقى متأسفة جدا ..
نهض فجأة وهم بصفعى فشهقت رنا وأمى وأغمضت عينى لحظيا .. تمالك نفسه وكرر
- هنتفاهم فى الكلام ده فى البيت
- أنا ماليش بيت غير هنا .. ومش هطلع من هنا غير على بيت أحمد ..
هنا نفذ صبره تماما .. فصفعنى ، وكان هذا بالضبط ما كنت أنتظره ...

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

الثوب الوردى

كان الجو صاخبا جدا كشأن أفراح هذه الأيام ، وقد اختاروا لنا طاولة بجوار مكبرات الصوت الضخمة بهدف الامعان فى تعذيب من لا ينهض للتقافز حول العريس والعروسة كما يفعل كل الشباب .. نهض الأولاد لأداء دورهم الوطنى وبقيت أنا وزوجى وأختى وزوجها .. يثرثر الرجلان عن أخبار المعارف القدامى ومن قابلهم فى الفرح مصادفة وتثرثر أختى عن اعدادات الحفل والعروسة وأنا أستمع وأهز رأسى بما يعبر عن موقفى من اتفاق أو اختلاف ..
- عقبال مى
- ميرسى يا حبيبتى فى حياتك
بالبطع مى هى ابنتى الكبرى والتى تلتهمها الأعين كما أرى .. تلك الفراشة الرقيقة التى تتنقل بين المدعوين فى ثوب وردى مكشوف الذراعين .. لا أدرى لماذا يبدو منظرها فى ثوبها هذا مألوفا لى ، وكأننى ارتديته فى حياة أخرى .. هل تقدم بى العمر لهذا الحد ؟
مى الجميلة التى يتوقع الجميع زفافها فى غضون عام على الأكثر .. حسنا .. تلك أمانيهم التى لن تغير شيئا من خطتها التى تشمل الكثير والكثير من الانتظار ، والكثير والكثير من السنوات المهدرة عبثا باسم الحب .. كانت - كما كنت فى سنها - رومانسية عنيدة ، فلتفسد حياتها كما تشاء فحق التحامق مكفول للجميع كما نعلم .. ألم أفعلها يوما باسم الحب أيضا؟
ارتفعت ضحكات شاكر فجأة فأجفلت .. شعرت أنه يقرأ خواطرى بطريقة ما .. نظرت إليه فلم يلاحظ فعاودت النظر لعليا التى تثرثر الآن حول البوفيه ..
لا أدرى هل هذا هو الطبيعى أم أنها رومانسية زائدة منى .. فكل الأفراح تجعلنى اعيد تقييم حياتى .. أين كنت وأين أصبحت وأين كنت أريد أن أكون .. ترعبنى تلك الفجوة الشاسعه بين ما أنا عليه الآن وما كنت اتصور أننى سأكون عليه .. ربما لهذا أكره الأفراح كثيرا ...
تأملت شاكر قليلا .. بالطبع لم يعد على أدنى صلة بالرجل الذى تزوجته وقتها .. وأنا لا أعنى شكلا فقط فلطالما حلمت به عجوزا أحمقا ممتلئا .. ذهب شعر رأسه الى غير عودة وازداد سمك عويناته .. وانتفخ بطنه ليكون كرشا مميزا .. وفقد كل شىء إلا حبى .. رباه ... هل كنت حمقاء الى هذا الحد؟
اقتربت أختى الكبرى - أم العروسة - من طاولتنا وسألت عما اذا كنا بحاجة لأى شىء فأجبنا نفيا ..
- مايسة عايزاكى شوية
قالتها لى فنهضت ، انتحت بى جانبا وبدت الجدية على ملامحها
- سامية بره وعايزة تسلم عليكى .. تحبى تطلعيلها ولا شاكر ممكن يضايق؟
- سامية مين؟
- سامية أخت صلاح
أسقط فى يدى .. صلاح؟ بعد كل هذا الوقت .. وكل ما حدث .. تريد أخته الآن مقابلتى؟
- أنا جايه حاضر ، هى فين؟
- بره القاعه
خرجت وأنا أتلفت حولى كمن يهرب من جريمة ما أو يهم بارتكاب واحدة ، دقات قلبى متسارعة جدا وأكاد لا أشعر بأطرافى ولكننى ذهبت رغم كل شىء ..
- سامية ؟ ازييييييييييك
ارتمت بين ذراعى واحتضنتها طويلا .. سنوات مرت على لقاءنا الأخير .. كانت زميلة دراستى كما كانت يوما ما .. أخت زوجى ..
أغرقتها بالأسئلة وهى لا تجيب .. انهارت تماما عندما سألتها عن زوجة صلاح وأبناؤه ..
- أهم عايشين .. من ساعة ما مات والدنيا ملطشة معاهم خالص .. ومديحة مش عايزة حد مننا يقرب للعيال وبتتهمنا اننا احنا السبب فى موته عشان يعنى الأزمة جتله بعد خناقته معانا .. انتى وحشتينى اوى يا مايسة ..
ثم عادت للبكاء مرة أخرى .. ودون أن أدرى وجدتنى أبكى معها .. أبكيه رغم ما كان .. رغم زواجنا الذى لم يدم سوى عام واحد ورغم خلافاتنا .. رغم انفصالنا الذى حطم كبريائى كأنثى .. رغم زواجى الثانى الذى مر عليه ما يزيد عن العشرين عاما .. رغم جلوس شاكر غير بعيد يفصله عنى جدار والكثير من الموسيقى الصاخبة .. وجدتنى أتذكر فقط أيامنا الأولى .. حبنا وأيام الخطوبة .. فرحتنا عندما تمكنا أخير من الزواج رغم أنف الجميع .. و رغم أننى كنت أكبره بعامين ..
- كان بيحبك أوى يا مايسه .. وندم عليكى كتير .. عارفة ؟ انا الوحيدة اللى عارفة ان جاله الضغط من ساعة ما سمع خبر جوازك .. انا اللى قلتله أصلى .. الله يرحمه ...
صلاح .. الحب الأول .. ترى لو استمر زواجنا كيف كنا سنكون الآن ؟ تزوجت شاكر عن حب فيما أتذكر .. ولكننى أحببته بقلب مكسور .. وكان هناك صدعا فى علاقتنا وحدى أنا أراه وألمسه .. لم أستطيع التعافى منه كليا .. وكنت اتذكره حين أختلف مع شاكر .. وكثيرا ما ندمت على غبائى و عصبيتى .. وعنادى الذى أقحمنى فى هذه الحياة التى لا اعرفها .. وحين توفى وجدتنى أبكيه بحرقه ..
ولكن هذا كان منذ زمن .. فقد توقفت عن التفكير فيه بعد وفاته كأنه لم يكن .. لماذا الآن يا سامية ؟ لا لن أعود الى ندمى وحزنى ثانية .. وكأننى أفر من شىء ما قبلت سامية على عجل وفررت منها و من شبح صلاح الى الحمام حيث أصلحت من مظهرى وأخفيت آثار البكاء تماما .. وعدت الى القاعة حيث جلست أتابع من طاولتنا .. صغيرتى مى التى تلتهمها الأعين .. وأتأمل فستانها الوردى الذى تذكرت الآن فقط كم يشبه الفستان الذى ارتديته فى خطبتى الأولى .. متسائلة عما يحمله الغد لها ..

الأحد، 17 أكتوبر 2010

الجزء السابع - اذا أردت شيئا .. بقوة

ربما ، ليس على إعادة تفاصيل المكالمة الطويلة السخيفة التى أجرتها حماتى العزيزة ، فالملخص كاف جدا .. " سيبى الواد فى حاله "

كانت أذكى من ان تقولها صراحة ، ولكنها عددت لى - وكأننى بحاجة إلى هذا - العقبات الموجودة فى طريقى معه ، مشيرة إلى أنى "لو تعرفى أحمد كويس هتعرفى إنه مش ممكن يعيش سعيد واحنا غضبانين عليه " مشيرة بذلك الى شيئين .. الأول : " ابنى متربى مش زيك يا قليلة الأدب ياللى طفشتتى من أهلك " ، والثانى : " ابنى لسة تحت طوعى لو قلتله سيبها هيسيبك ، فتيجى منك أحسن عشان منظرك .." ثم رددت الكثير من الترهات حول النصيب والقسمة .. و محدش عارف الخير فين ..

هل تعرف تلك المقولة الشهيرة " اذا أردت شيئا بقوة فأطلق سراحه .. فإن عاد إليك فهو ملكك إلى الأبد و إن لم يعد فلم يكن لك منذ البداية " ؟ ذلك المبدأ المناسب جدا للعجزة وذوى الاحتياجات الخاصة ، وأنا لم أكن عاجزة بأى حال من الأحوال .. فأنا أعلم أننى تخليت عن منزل أسرتى من أجل أحلامى ، وأنا على أتم استعداد للتخلى عن أحلامى لأكون مع من أحب ، لذا آمنت أننى إذا أردت شيئا بقوة فعلى أن أحارب للحصول عليه ، فالحياة ليست جنى المصباح ستتمنى عليها فتجيب ..

- بصى يا طنط .. لو حضرتك تعرفى أحمد كويس هتعرفى إن اللى فات من عمره ده كله كوم ، واللى رسمنا نعيشه مع بعض فى مستقبلنا ده كوم تانى ، ...

- يا حبيبتى ..

- بعد اذنك أكمل؟ أنا بحب البنى آدم ده و مش هبعد عنه ، وحتى لو حاول هو يبعد مش هسمحله بده لأنى عارفه هو قد ايه بيحبنى ، وعارفه قد إيه أنا هسعده .. وعارفة ان انفصالنا هيقضى عليه .. واذا كانت ظروف النهارده مش مع علاقتنا فوجودنا مع بعض هيخلق الظروف اللى تخلينا نكمل ، ونكمل مبسوطين كمان ..

يا طنط لو تعرفى أحمد كويس يبقى المفروض عندك ثقة فى اختياره ، واختياره ده كان و هيكون دايما أنا .. هو اختار بنى آدمه وأنا اخترت بنى آدم .. والظروف دى حاجه بتاعة ربنا وقابلة للتغيير .. لو بتحبى أحمد زى مانا بحبه متخيريهوش بين رضاكى عليه وبينى لأنه ولا هيقدر يسيبنى ولا هيقدر يزعلك ، فهيسيب الوضع متعلق لأطول فترة ممكنة ، وفى الفترة دى هتكون أعصابه اتدمرت .. أنا وهو لسه قدامنا شوية عشان نتجوز ، أحمد هيقبض آخر فلوس ليه فى الجمعيه اللى هيدفع منها مقدم الشقة كمان سبع شهور ودول محدش عارف ايه اللى ممكن يحصل فيهم .. من فضلك متخليش الفترة دى صعبه عليه ..

فى الحقيقة .. لم أتوقع عاصفة من التصفيق والهتاف بعض الخطاب الرائع الذى ألقيته .. لذا كان جوابها المائع " ربنا ييسر " ، و " اللى فيه الخير يعمله ربنا " ، و جملتها الأخيرة " خدى بالك من نفسك يا بنتى " ردا كافيا جدا ..

أنهيت المكالمة وأنا أرتجف من فرط الانفعال .. هل أخبره ؟ هل ستخبره هى ؟ ماذا ستقول ؟ وأن أخبرته كيف أخبره ؟

" هى الناس دى عايزة مننا إيه؟ "

أحمد يتصل .. عظيم .. المصائب لا تأتى فرادى

- أيوه يا حبيبى

- أيوة يا مريم انتى فين يا حبيبتى؟

- أنا هلبس ونازله الصيدليه أهه .. انت فين ؟

- فى الشغل .. ها محدش كلمك من الناس اللى قابلناهم عشان الشغل ؟

- كلمونى بتوع القصر العينى .. بس انا مش مشجعاهم اوى انت عارف .. عموما هنزلهم بكره ولو حد من مصر الجديدة اتكلم هسيبهم ..

- طب تمام .. مش عايزه حاجة يا حبيبتى؟

- عايزة أشوفك بعد الشغل .. ممكن؟

- إلا ممكن .. هعدى عليكى فى الصيدليه أول ما أخلص ..
- بحبك
- بحبك أكتر
كنت قد قررت أن أخبره بحيادية تامة عما حدث ، لتلافى أى تعقيدات مستقبلية نحن فى غنى عنها .. يا الله .. لو ينتهى ذلك الكابوس ..

الجزء السادس - حتى تستقر الأمور

لوهلة بدأت ملامح الطريق الذى اتخذت قرارى بالسير فيه منذ زمن لا أذكره ونفذته فى لحظة غضب ، تتضح أمامى .. ربما بدأت الأمور تسير كما أرسم لها ، وجدت لى سلمى عملا فى صيدليه يديرها نيابة عن والده صديق شخصى لها ، طبيب شاب ودود جدا لدرجة لم نجد معها حرجا فى إطلاعه على حقيقة الموقف ، بالطبع مارس دوره المنتظر فى هذا المسلسل التركى بين محاولاته المستميته فى اقناعى بالعودة و محاولاته المستميته أيضا فى الحصول على عنوان والدى للتحدث معه شخصيا ، وهو الشىء الذى فعله أحمد رغما عنى وكانت نتائجه كما توقعتها حرفيا .. تحول أحمد الى الشاب الذى يحاول أن " يصطاد فى الميه العكرة " .. فعاد بخفى حنين، وحيث أننى لست ممن يحتملون العبارة الشهيرة " قلت لك هذا " فلم أكن من مردديها ..
مضى الأسبوع الأول فى الكثير من مقابلات العمل و المكالمات ، وقابلت أمى كما نويت و بالطبع كان اللقاء دراميا كما يفترض به .. وبعد الكثير من اللوم و البكاء والانفعال طلبت منى أن أنتقل للعيش مع خالتى وابنتها .. الشىء الذى لم يروقنى كثيرا .. فسوفت الأمر ريثما أدرسه مع نفسى ..
كان الأسبوع - رغم كل شىء - رائعا .. أحببت كثيرا احساس أن أكون أنا " رئيس جمهورية نفسى " ، أحمد لا يدخر جهدا لإسعادى وإشعارى بالأمان ، أصبحت صداقتى برنا و سلمى كأفضل ما يكون ، أرى امى يوميا وأخبرها تفاصيل كل شىء .. هدأ أسامة -أخى- كثيرا بعد أن زرته فى المدرسة وأخبرته أننى على ما يرام وأننى سأراه أسبوعيا ، وتقبلت مى و ميار -أختاى- الأمر الواقع بشىء من الصعوبة ولكنهما لن تكونا عقبة أمام تنفيذ ما أنا بصدده ..
فقط لو تستمر الحياة هكذا ..
بالطبع هذا نوع من أحلام العصاقير .. ما كاد الأسبوع ينتهى حتى بدأت إعادة تقييم الوضع ..
أنا حاليا أسكن مع اثنتين من زميلاتى فى شقة نتقاسم ايجارها معا بعد أن توصلنا الى هذه التسوية كشرطى لاستمرار الوضع الحالى .. وقررت الفتاتان تأجيل النقاش بشأن مصروف البيت حتى تستقر الأمور .. رفضت اقتراح أمى بالاقامة عند خالتى تماما .. فأنا لست بحاجة الى تعقيد الأمر بإدخال الأقارب الى قلب الأحداث .. بالرغم من هذا عجزت أمى عن الاحتفاظ بالأمر لنفسها ففوجئت بكم غير منطقى من مكالمات الأقارب .. تدعونى للعودة و إعادة التفكير على طريقة "عودى يا بلية ".. أو الإقامة " عند حد كبير " وكأننى بحاجة الى من يغير حفاضتى من آن لآخر .. بالطبع وجدت أن الإلتفات الى مثل تلك المهاترات ليس من شأنه سوى استدراجى لمحاولة إرضاء الآخرين .. ولو بمجرد الوعد بالتفكير فى الموضوع .. وحيث أننى فى أتم الغنى عن هذا الصداع أصبحت أتجاهل معظم تلك المكالمات ..
انتهت إجازة أحمد وكان عليه العودة لعمله ، الشىء الذى أقنعته به بشق الأنفس بعد أن كان يفكر جديا فى مدها حتى تستقر الأمور .. المسكين لم يعِ بعد أن أمورى لن تزداد استقرارا عنها الآن .. ربما حتى نتزوج ..

أحمد .. أحمد أحمد أحمد .. بالرغم من روعته فى الأيام الماضية كان حزينا .. كنت أعلم هذا و إن اجتهد هو فى إخفائه .. أعلم أنه - مثلى - يفكر فى مستقبلنا معا ، وكيفية إتمام زواجنا بعد أن أصبح رفض والديه هو رد الفعل المنطقى لموقف والدى و قرارى .. والذى توقع أن يجده بمجرد أن يفاتح أهله فى بدأ استعدادات زواجنا .. كان طوال الوقت يبحث عن حل يرضى جميع الأطراف ، فهو وإن كان قادرا على الاستغناء عن دعمهم المادى لزواجنا نوعا ما فلن يستطيع أن يتحمل فقده لدعمهم المعنوى .. كان فتى مطيعا .. وكثيرا ما كنت أحلم أن يرث أبناؤنا طباعه .. ولكن الآن .. يا الله ...
توقعت هذا كله دون أن يخبرنى به ، ولهذا كانت هى بالذات آخر من توقعت اتصاله مؤخرا .. وقد انقبض قلبى بمجرد أن عرفت هويتها ...
- سلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، مريم؟
- أيوة مريم .. مين؟
- أنا مدام حياة .. والدة أحمد

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

الجزء الخامس - على ارتفاع منخفض

- مدام هالة مجتش النهاردة
هذا ما كنت أخشاه .. كنت قد توجهت إلى عمل أمى حسب الخطة الموضوعة ، وكانت هذه الإجابة تحديدا هى أسوأ مخاوفى ..
- طيب ما تكلميها عالموبايل إيه المشكله؟
- مش عايزة لسببين .. الأول إنى مش عايزاه يرد عليا ويعمل فيها زكى رستم فى نهر الحب
- على فكرة بقى إنتى اللى بتشوفى أفلام عربى كتير
- أنا بتكلم فى إحتمال انا عارفة إنه وارد .. مش ببالغ ، وخصوصا إن محدش منهم إتكلم من إمبارح عشان يعرف أنا فين ..



أطرق قليلا ..
- والتانى؟
- إنى محتاجه أبوس إيدها أوى .. عارفه إنها من إمبارح فى جحيم وإن الأيام الجاية هتكون جحيم بردو .. عايزة اتكلم معاها فيس تو فيس ..
نظر إلى بإشفاق ، تلك النظرة التى تحمل دفء حضن طويل ..
- طيب هنعمل إيه دلوقتى؟
- ممممم .. مش عارفة أنا كلمت ريهام قبل ما انزل واتفقت معاها نتقابل الساعة 5 .. كنت فاكره إن فترة الصبح هتبقى كلها مع ماما .. وبعدين كلمنى عن شغلك أكتر؟
- أنا واخد أجازة أسبوع عشان أبقى معاكى لحد ما تستقر أمورك شوية
- أحمد يا حبيبى أنا أمورى مستقرة ومش محت..
- إتلهى
- أنا بتكلم بجد .. وبعدين لاحظ إن إنت حاليا بتصرف عليا ومحتاج شغلك ...
- تانى؟ الخمسة جنيه المقطعه تانى؟ فكك وقفلى عالموضوع ده أنا بعت طلب الأجازة مع عمر النهاردة مات الكلام
آثرت الصمت .. إحترمت عناده لأنه كثيرا ما فعل الشىء نفسه معى .. واحترمت قدرته على تدبر الأمور دون الحاجة لتوجيهاتى
- أقولك ؟ أنا عرفت هنروح فين .. تعالى
ذهبت معه دون أن أدرى إلى أين .. كانت القاعدة الثالثة بدأت تتضح فى ذهنى فأخرجت المفكرة وكتبتها
rule no.3 : love all,trust few,do harm to no one
كانت مقولة شكسبيرية قرأتها قديما .. وكان أحمد ممن أنوى الوثوق بهم .. ولكن ..
rule no.4 : count only on yourslef
فكلما قل ما توقعته من الناس كلما قلت الخيبات التى ستعترضنى ..



- بتكتبى إيه؟
- فاكر القواعد السبعة للرحيل بتاعت احمد العايدى فى أن تكون عباس العبد؟
- آه باين
- بكتب قواعد الرحيل الخاصة بيا
- وكتاب الله مجنونة .. بس بحبك



**************

فى كازينو هادىء على النيل كان يوما الشاهد الأول على حبنا جلسنا .. ولأفسد رومانسية المشهد طلبت منه أن نأخذ الصحف التى أحضرها بناء على طلبى لنتصفحها معا بحثا عن الوظيفة المناسبة ..
- استنى بس قبل ما ندور مش لازم نعرف هندور على إيه؟ وبعدين قبل ده كله أنا عايز أقترح حاجه
- خير؟
- أنا عايز أقابل أبوكى
- ألطم على وشى؟ الراجل قاللى مش هتتجوزيه و مش عاجبك إمشى تقوللى أقابله؟
- اسمعى بس .. إحنا نستنى عليه يومين كمان .. وبعدين أنا أروحله الشغل وأقعد معاه وأقوله إنى بحبك و خايف عليكى و عايز اتجوزك وممكن عملتك السودة تخليه يوافق نتخطب دلوقتى عشان نلم الموضوع وترجعى البيت
- استنى يا كابتن عملتى السودة دا إيه ونلم الموضوع ايه؟ هو انا لا سمح الله فى الشهر التالت وفضيحتى هتبان؟ وبعدين مين قال إنى عايزه أرجع أصلا؟
- بس أنا عايزك ترجعى يا مريم .. مفيش بنت بتسيب بيت أهلها إلا عشان تروح بيت جوزها .. إحنا شرقيين يا ماما
- وأنا مشفتش أب شرقى بيقول لبنته مش عاجبك إمشى
صمت تماما .. وبعد لحظات أضاف:
- طب وامك واخواتك؟ ذنبهم إيه فى الأرف ده كله؟
- اسمعنى يا أحمد عشان تبقى دى آخر مرة نتكلم فى الموضوع ده .. إحنا فى البيت محدش بيقف جمب حد ، أو بمعنى أدق محدش بيقف جمبى .. لما يبقى فى مشكله بينه وبين أى حد فيهم بقف معاهم و بتخانقلهم لكن هما فى مشاكلى بيقفوا يتفرجوا .. من أول أمى لحد أسامة .. وشايفين إن أنا اللى منشفة دماغى ومش عايزة أتنازل .. وأنا ببساطة مش هتنازل لأنى مش طالبة حاجه كتير .. وللمرة الألف بقولك لو الوضع كده مش مناسب ليك كراجل شرقى أنا هفهم وكل واحد يروح لحاله ..
- انتى ملاحظة من ساعة ما سبتى بيت أهلك قلتيلى كام مرة كل واحد يروح لحاله؟
قالها بغضب بارد فأطرقت وأنا أتذكر القاعدة الثالثه .. do harm to no one
بالطبع كان هو آخر من يستحق منى هذا .. أمسكت بكفه الممدود أمامى على الطاولة وضغطته ..
- أنا بحبك .. أرجوووووووك اقبلنى زى مانا .. متحاولش تصلح علاقة بايظة من سنين .. احنا خدنا على كده .. وأنا كده مرتاحه أكتر
- وأنا بقولك مش هنخسر حاجة من المحاولة دى .. أنا معنديش مانع أسمع منه كلمتين بايخين فى سبيل تحسين الوضع .. وخليكى متأكده إنى مش عايز غير مصلحتك قبل أى حاجه ..
- إعمل اللى انت عايزه
قلتها لأنهى هذا الحوار الذى لن يؤدى إلى أى شىء .. كلانا عنيد وكلانا يحترم عناد الآخر ..
بدأنا نتصفح الوسيط كبداية .. ووجدنا عددا من الوظائف المناسبة .. وفى المفكرة إياها وضعت الهواتف و أسماء الوظائف ..
العمل كمندوبة مبيعات لإحدى شركات المعدات الطبية يبدو مناسبا للمرحلة .. فهو ليس بعيد عن مجال دراستى الطبية كما لا يشترط الخبرة .. والعمل بدوام جزئى فى صيدلية لايبدو سيئا لفترة بعد الظهر أيضا .. تمام ..
- فى واحد كان معايا فى الكلية بس أصغر بدفعتين كان قالى ممكن يشوفلى شغل فى فودافون .. أفتكر ده هيكون أريح من التنطيط بين العيادات .. ولا انت ايه رأيك؟
- فودافون؟ مش عارف .. هو أريح طبعا .. وماله نكلمه نقوله لو عايزه
- أنا عايزة اخلص من موضوع الشغل ده بسرعة عشان عايزة أسيب بيت رنا و سلمى
- انتى استحليتى سيبان البيوت ولا ايه؟ تسيبيهم ليه ان شاء الله؟ ضايقوكى فى حاجة؟
- بالعكس خالص بس أكيد مش هينفع أعيش معاهم للأبد يعنى .. عايزة أدور على شقة إيجار جديد بس حاجه فى الحنين عشان متاكلش مرتبى .. عموما واحدة واحدة زى الكناريا .. نطير على ارتفاع قليل الأول ..
- كناريا؟
حكيت له هوسى بقصة الكنارى التى تسكننى فأعاد على ما يقوله حاليا بمعدل 50 مرة يوميا .. أننى مجنونة وأنه يحبنى !!

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

الجزء الرابع - ريتا والبندقية

هل تعرف ذلك الشعور الذى ينتابك عندما تسوء الأمور فجأة الى حد لا تستطيع التعامل معه فتظل تردد لنفسك " هذا لا يحدث حقا؟ " هو ذا .. كان أحمد خالد توفيق فى روايات ما وراء الطبيعة التى أعشقها منذ صغرى يتحدث دائما على لسان رفعت اسماعيل عن قاعدة " هذا لا يحدث حقا " بوصفها احدى ميكانيزمات الدفاع المعروفة التى يلجأ إليها عقل الإنسان عندما تحاصره المشكلة ..
هذا لا يحدث حقا ..
هذا لا يحدث حقا ..
حسنا .. عزيزى رفعت اسماعيل .. عزيزى أحمد خالد توفيق .. خمنا ماذا؟ هذا يحدث حقا و قد توقعت حدوثه منذ زمن .. مع هذا فأنا لا أستطيع أن أستجمع أفكارى لوضع سيناريو معين للأحداث .. وصورة الكنارى الذى يتخبط بين النوافذ القريبة لا تفارقنى ..
نهضت من على الفراش والتقطت المفكرة الصغيرة التى اكتب فيها كل ما يمكنك تخيله و بدأت أكتب
" rule no.1 : no regrets "
" rule no.2 :
وترددت قليلا .. ثم أضفت : always have a plan B
كنت أعلم أنه بالرغم من حرارة الاستقبال الذى استقبلتنى به رنا و سلمى ، فلن يمكن ان يستمر الوضع هكذا للأبد ، ربما تزوجت احدى الفتاتين أو كلتاهما أو ربما عادتا الى الأردن لأى سبب ، وربما اختلفت معهما ببساطة .. إذن فيجب البحث عن خطة بديله منذ الآن ...
وبما أن خطة السكن وثيقة الصلة بخطة العمل لا يجب أن تسبق الأولى الثانية .. فلنفكر فى العمل أولا
خرجت من الغرفة :
- رنا عندك الوسيط بتاع الأسبوع ده ؟
- مش عارفة احنا بنكومهم كلهم فى البلكونة وبنخليهم عشان تلميع الإزاز .. عايزاه دلوقتى؟
شعرت بالخجل نوعا .. سأجعلها تنهض لتبحث عنه فى منتصف الليل دون سبب وجيه بالنسبة لها على الأقل ..
- لأ خلاص كنت بسأل . طب عندك مسكن لحسن صداع هيموتنى
كانت هذه حقيقة مؤسفة .. لست من النوع الذى يمكن ان ينسجم مع النكد دون خسائر كما ترى
- على التلاجة جوه فى علبه بنادول اكسترا و فى كتافلام فى التلاجه .. عيشى
- مريم .. خفى عن نفسك شوية .. اشربيلك كوباية لبن عشان تعرفى تنامى .. فى لبن فى التلاجه وأكيد انتى مش محتاجه عزومة
قالتها سلمى بجدية فأومأت بامتنان .. ربما ليست فى رقة رنا ولكنها تهتم حقا ..
ابتلعت قرصى المسكن مع كوب من الحليب وفى طريقى الى الغرفة تذكرت أننى لم أصلى المغرب ولا العشاء .. تبا ... توضأت وعدت إلى رنا و سلمى :
- هى القبله منين يا جماعه
أشارت بيديها لاتجاه القبلة موضحة :
- ناحية باب الشقة يمين شوية .. فى مصلية فى الدولاب اللى فى أوضتك .. الدرج اللى فى النص فيه باين واحده تركواز كده .. بس ابقى ادعيلنا والنبى
انهت كلامها بابتسامة بادلتها إياها وعدت للغرفه .. وصليت المغرب والعشاء ..
" يا رب .. أنا عارفة إنى غلطت .. عارفة إنى اتسرعت .. بس عارفة إنى مكنتش هقدر أستحمل أكتر من كده .. يا رب أنا مطلبتش أكتر من إنى أشتغل عشان محدش يبقى ليه عندى حاجة .. وأتجوز الولد اللى بحبه .. يا رب .. هو ده كتير؟ هو ده حرام؟ افرجها يا رب ، ساعدنى أمشى صح الفترة الجاية يا رب.. اللهم دبر لى فإنى لا أحسن التدبير.."
ختمت الصلاة وأنا فى حالة انهيار تام .. بكاء متواصل لا أدرى له سببا ..

"هو بكره اتأخر كده ليه؟! "
آلآف الأفكار عما قد يحمله الغد لى ولأحمد ولكل أبطال هذا المسلسل المكسيكى السخيف .. مشاهد الشجار تتكرر فى رأسى تلقائيا ولا أستطيع ايقافها .. ويبدو أن البنادول يزيد من الصداع هذه الأيام ..

أحمد يتصل .. ابن حلال .. الكلام بيننا لا ينتهى ولا يكرر.. ربما كان هذا من أجمل ما يميز علاقتنا ..
- عايزة حاجه أجيبهالك بكره؟
- هاتلى الوسيط بتاع الأسبوع ده ، وأى جرنان فيه اعلان وظايف .
- حاضر
كم أحبه عندما يفهمنى دون الكثير من الرغى .. كم أحب تلك ال "حاضر "..
- هتعملى ايه بكره؟
- هعدى على ماما فى الشغل ، عايزة أطمنها عليا و مش عايزة أتكلم فى التليفون ولا الموبايل ، بعدها هعدى على ريهام عشان أنا محتاجه أقعد معاها وأبع اللى فى قلبى كله ..
- تبعى ؟ طب مانا معاكى أهه يا حبيبتى ، بعى براحتك
- يا حبيبى مانت خدت جرعتك خلاص ، تعالى السبت الجاى استشارة .. ده بقى دور ريهام.
ضحكنا .. كيف يمكنه أن يجعلنى أشعر بكل هذا الأمان ؟ كيف أحبه الى هذه الدرجة ؟
- اللى يريحك يا حبيبتى ... مريم
- نعم
- أنا بحبك .. انتى عارفه كده؟ وهفضل أحبك و هفضل معاكى و هنعدى الأزمة دى سوا .. متفكريش فى حاجه .. فاهمة؟
صمت .. كنت بحاجه لأن أرتمى بين ذراعيه و أبكى حتى الصباح ..
- بحبك أكتر ....
كان يعلم أننى عاجزة تماما عن النوم .. فى انتظار ان يبدأ مفعول المسكن بدأ يقرأ لى - بناء على طلبى - قصائد معينه لمحمود درويش كى أنام .. يطير الحمام يحط الحمام ، درس من كاماسوطرا ، ليل يفيض من الجسد .. ريتا التى كان ينادينى باسمها أحيانا ..
- بين ريتا وعيونى بندقية ..
والذى يعرف ريتا
ينحنى ويصلى
لإله فى العيون العسلية ...
بدأ النوم يداعب عيني .. وكان آخر ما سمعته صوته يردد :
- آه .. ريتا
أي شيء ردّ عن عينيك عينيَّ
سوى إغفائتين
وغيوم عسليّهْ
قبل هذي البندقيهْ!
كان يا ما كان
يا صمت العشيّهْ
قمري هاجر في الصبح بعيداً
في العيون العسليّهْ
والمدينة
كنست كل المغنين ، وريتا
بين ريتا وعيوني . بندقية

الجزء الثالث - القاعدة الأولى

كثيرا ما دارت أحلامى حول الهروب والمطاردة .. تكرر هذا الحلم معى كثيرا .. وكنت أخبر أمى فتجيب بأنها خلافاتى مع والدى .. تسكن عقلى الباطن وتفرض نفسها على أحلامى .. أما عن المطاردة فكانت تقول " الدنيا .. بتجرى وراكى و مش سايباكى فى حالك ، وهى يعنى سايبة مين فى حاله؟! ابقى اقرى قرآن قبل ما تنامى .. "
فقط لو تتحقق كل الأحلام بتلك الدقة ..
كنا فى سيارته نتجه الى منزل رنا ، صديقة أردنية تعيش فى القاهرة مع قريبتها بمفردهما .. بعد أن هاتفتها وشرحت لها باختصار أبعاد المشكله ووافقت مرحبة .. لم تكن يوما أقرب صديقاتى ولكنها صديقة جيدة وطالما أمكننى الاعتماد عليها .. وهى على علم بمشاكلى الأسرية اللطيفة لذا لم تسأل كثيرا ..
كان احمد واجما ولكنه من باب الرقة وضع اسطوانتى المفضلة فى مشغل الاسطوانات .. الموقف برمته سخيف جدا لكلينا .. هو يكره حقيقة تركى لمنزل أهلى .. ويكره حقيقة عجزه عن اقناعى بالعودة .. ويكره حقيقة رفضى لاتمام زواجنا .. ويكره كل ما يتعلق بالوضع الحالى فى الواقع .. وأنا أعذره وأشفق عليه، ولكنه سيتأقلم .
بدأت أعى حقيقة أننى بمفردى من هذه اللحظة .. بعيدا عن أحمد و رنا أعنى أننى أملك زمام أمرى .. للمرة الأولى أصبحت أنا من تضع القواعد بدلا من محاولة التكيف معها او تكييفها معى .. والأمر على قدر روعته ليس سهلا .. لابد من التمهل كى لا ينتهى الأمر بمأساة ما..
وكانت القاعدة الأولى من قواعد الشارع : لا مجال للندم .. لن أندم على ما فعلت ولن أفعل ما يمكن أن أندم عليه ..
يبدو أن السيارة توقفت من مدة لأن أحمد فرقع باصابعة أمام عينى قائلا : " يا حاجة "
- لا مؤاخذه يابنى العتب عالنظر
ضحكنا ثم مرت لحظات صمت ..
- هطلع معاكى عند رنا .. عايز أتكلم معاها
- تطلع فين يا خفيف ؟ الدنيا ليل و دول بنات عايشين لوحدهم .. انت عايزنا نجيبلهم مصيبة ؟ عايز تكلمها فى موبايل ان شاء الله و فى نت و فى كل وسائل التكنولوجيا اللى انت عايزها ..
ابتسم بخبث .. كان يريد أن يعرف ردة فعلى لا أكثر فهو لا يحتاج إلى لأخبره بما يليق وما لا يليق .. فتحت باب السيارة لأنزل فقبض على معصمى
- بصيلى من الشباك لما تطلعى
- أحمد حلمى حضرتك؟ ماشى .. ولو شقتهم مش عالشارع؟
- يا رخمه.. كلمينى لما تطلعى و تستقرى كده .. ومتنسيش
آه ..الموبايل ..كنت قد نسيت أننى أغلقت موبايلى منذ أنهيت مكالمتى معه منعا للازعاج المتوقع .. سأضطر لفتحه اذن بكل أسف ..لا يهم..صاح مرة أخرى "يا حاجة "
- أيوة أيوة حاضر هكلمك لما أستقر و اقعد كده ..
- هعدى عليكى الصبح قبل ما أنزل الشغل .. خدى خلى دول معاكى لحد بكره
مد إلى 100 جنيه فنظرت إليه بامتنان ساخر
- ودول هعمل بيهم ايه من النهاردة لبكره؟ مش ..
قاطعنى غاضبا :
- امسكى يا مريم وبطلى سخافة ..
- والله مش موضوع انى مش هاخد منك فلوس بالعكس دانتا اللى هتشيلنى الشهر الجاى لحد ما اتعين وأقبض .. الفكرة ..
- امسكيييييييي .. وبكره هجيبلك ألفين جنيه خليهم معاكى لحد ما ربنا يفرجها عشان متحسيش انك كل شوية تاخدى فلوس أنا عارف إنك مش بتحبى كده حتى مع أهلك ..
وددت أن أقبله بشده ولكنى اكتفيت بقبلة فى الهواء وأنا أتذكر القاعده الأولى : " لا مجال للندم "
- تصبحى على خير يا حبيبتى .. خلى بالك من نفسك
- حاضر وانت من اهله
- افتحى موبايلك
- حاضر
- واستنى صحيح ادينى نمرة رنا عشان أكلمها
- .........
- تمام .. باى باى يا بيبى
- باى
**********

فى بيجاما بيضاء ذات نقوش وردية جلست بجوار رنا أمام التليفزيون بعد أن استقبلتنى كأفضل ما يكون .. عناق و طبطبة وترحيب شديد .. لم أكن أعلم أنها ودودة لهذا الحد تلك الفتاه ..أخذت رشفه من مج النسكافيه الذى أعدته لى وقلت ضاحكة :
- بجد يا رنا مش عارفه أقولك ايه عالبرشطه المفاجأة دى .. ياختى الواحد يبقى قاعد لا بيه ولا عليه ويلاقى المصايب جاياله لحد عنده كده
استماتت فى نفى الأمر مع الكثير من "ده بيتك يا بنتى" .. و"انتى منورانى" وخلافه .. كنا فى انتظار سلمى قريبتها التى تعمل فى شركة فى المعادى .. قابلتها مرة واحدة فى عيد ميلاد صديقة ثالثه ولم نتكلم كثيرا ..
- انتى متأكده ان سلمى معندهاش مشكله فى القلق ده ؟
- يا بنتى احنا بيتنا مفتوح لوكانده أصلا واخدين طول الوقت ان أى حد بيجى من الأردن بيقعد عندنا ، دى حتى تالا صاحبتنا المتجوزة جت عندنا لما جوزها كان مسافر .. مفيش أى مشكله متقلقيش ..
شعرت ببعض الاطمئنان .. دارت المفاتيح فى الباب ودخلت سلمى
- مساء الخير عليكو .. ازيك يا مريم؟
- الحمد لله سورى بجد
- يااا الله هتقعد بأه تعمل جو الأفلام .. بلاش هبل يا بنتى بيتك و مطرحك ، انتى مش هتقعدى كتير صح؟
قالتها مداعبة فضحكنا كثيرا وأجبتها : قد عشرة اتناشر شهر كده ..
بدلت ملابسها وجلسنا أمام التليفزيون نتابع فيلم ما .. ونتحدث من آن لآخر .. كان أحمد قد هاتفها وعرض عليها أن يشارك فى مصروف البيت فعنفته طويلا .. وعندما اطمأن على كل شىء طلب منى أكلمه قبل أن أنام .. وكالعادة تقمص دور الأب الذى لم أفتقده بعد " نامى بدرى ، بلاش سهر من غير لزوم ، متفكريش فى حاجه .." والكثير من تلك التعليمات .. أنا أحبه حقا ..
- معلش يا جماعه أنا داخلة أنام بقى لحسن مش قادرة تعبانه جدا
قلتها وأنا أعلم أن ملامح وجهى كلها تشى بكذبى ..
- ما تقولى من الآخر عايزة أروح أكتئب لوحدى عادى احنا مش بمنمع الاكتئاب عندنا ..
قالتها سلمى فابتسمت وهززت رأسى إيجابا فقالت باشفاق
- متفكريش فى حاجه .. ان شاء الله هتعدى .. أوضتك اللى على يمين الحمام وأنا و رنا هننام فى الأوضة اللى فى الوش
- آه ما رنا قالتلى وحطيت شنطتى فيها .. تصبحو على خير
- وانتى من أهله .. نصحيكى امتى؟
- أحمد هيتكلم يصحينى أنا هكلمه قبل ما أنام أصلا .. أشوفكو بكره
مضيت الى الغرفة وأنا أعلم أن هذه الليله لن تنتهى ..

الأحد، 10 أكتوبر 2010

الجزء الثانى - مهاترات

- أنا سبت البيت
سقط فكه فصار منظره مضحكا الى حد ما فتابعت
- ومن غير أى أفلام عربى من أى نوع ، عشان أنا خدت أوفر دوز أفلام عربى النهارده .. ويا ريت متحاولش تلعب دور نور الشريف فى حبيبى دائما وتضربنى بالقلم وتاخدنى ترجعنى البيت عشان احنا الاتنين عارفين الحقيقة المرة - أنا مش بوسى .
كان قد تمالك نفسه نوعا فنظر الى لحظات قبل أن ينفجر :
- ايه الهبل اللى انتى فيه ده؟ انتى هبله يا بنتى انتى؟ ايه التفكير الطفولى ده ؟ قومى يا شاطرة خدى شنطتك وعلى بيت أبوكى ولما تروحى ..
قاطعته بصرامة :
- أحمد .. بلاش الطريقة اللى بتتكلم بيها دى لو سمحت .. أنا كلمتك عشان أقولك إن ده الوضع الجديد ، أنا دلوقتى واحده سايبة بيت أهلى ، عندك استعداد تكمل معايا أهلا وسهلا ، معندكش أنا هقدر ده و سيبنى فى حالى من غير ما تحاول تلعب دور الواعظ عشان أنا خدت قرارى خلاص .
صمت .. أطرق لحظات ثم قال برفق :
- ايه اللى حصل طيب؟
كنت على وشك اخباره حين قاطعنا النادل فقال هو باقتضاب :
- اتنين برتقان فريش لو سمحت
- حاجه تانيه يا فن...
- شكرا
إلتفت إلى فى انتظار ما سأقوله .. وتطلب الأمر لحظات لأستجمع ما حدث .. أخبرته فى انفعال عن الخلاف الحاد الذى نشب فى المنزل منذ قليل بسبب رغبتى فى الاستقلال بعملى وممانعة السيد الوالد فى هذا لأبقى تحت سيطرته المادية ، ثم تطرقه -الوالد - دون داعِ لرغبتى فى الزواج من أحمد والتى يعارضها بالطبع ..
- قاللى ده بيتى عاجبك تعيشى معايا كده عاجبك مش عاجبك امشى .. فلميت حاجتى ومشيت .
بدا مصدوما الى الحد الذى أشفقت معه عليه ، هذه هى مشكلة الأطفال المستقرين عائليا .. يظنون ان هذه الأشياء تحدث فى الأفلام فقط .. مسكين ..
- يعنى هو اللى طردك من البيت
- متقولش طردك ، هو إدانى الإختيار وأنا اخترت .
ظل واجما حتى جاء النادل بالبرتقال ، ووضعه امامنا وانصرف . ظللت أتأمله بإشفاق .. لا ذنب له فى هذه المأساه الإغريقية إلا أنه أحبنى .. أمسكت يديه بقوة :
- اسمعنى يا أحمد ، هو اليوم باين من أوله أفلام عربى بلا توقف .. لو شايف إن الوضع كده مش مناسب ليك أنا هفهم ده ، انت ..
قاطعنى ساخرا :
- كفاية جو السبعينات ده إيه الخمسة جنيه المقطعه اللى مطلعاها دى ؟ خلاص يا أمى اتدبست واتنيلت و حبيتك واللى كان كان ..
من صفاء ضحكته تأكدت مما علمته مسبقا .. سيكون إلى جوارى كما كان دوما .. ضحكت مضيفة :
- من فضلك حاسب على ألفاظك .. ايه اتدبست دى ؟
ضحك وهمس :
- بحبك يا بنت المجانين ..
- بحبك أكتر يا سيد العاقلين ..


أطرقنا للحظات نحتسى العصير على مهل .. عيناه لا تفارقان الهاند باج السخيفة الملقاه على الأرض بجوارى .. ثم سأل ضاحكا :

- والقطة جايبة معاها ايه؟
- القطة جايبة معاها حاجاتها الضرورية .. هدوم خروج ، هدوم بيت ، فرشه سنان وحاجات شخصية ، كتبى وبس .. مخدتش منه ولا مليم مش عايزة منه حاجه أصلا .


- يعنى معكيش فلوس
- لأ

- أمال أنا ازاى هستغلك وأضحك عليكى واسرقك وأرميكى للكلاب؟
- مش عارفه .. اتصرف
قلتها ضاحكة .. كان بارعا فى تخفيف حدة الموقف ، وكنت بارعة فى التظاهر بالهدوء .

- خلاص يبقى نتجوز
قالها بجدية مفاجئة جعلت التهكم الذى كنت أنويه يبدو غير لائق بالمرة , فعزفت عنه وقلت بجدية مماثله :

- مش دلوقت و مش بالطريقة دى , مش عايزة يتقال هربت عشان تتجوزه لأن ده مش حقيقى و هيشيلك انت و أهلك فى نظر الناس ذنب معملتوهوش .. يبقى ليه؟ دا غير ان أهلك كمان مش هتعجبهم الطريقة دى

- ملكيش دعوة انا هعرف أزنجفهم ..

- زى ما قلتلك مش ده الحل , دايما كنت بتقوللى الجواز عشان يستمر صح يبقى لازم يبدأ صح , و ولا انا ولا انت مستعدين نتجوز دلوقت .. أنا محتاجه أعرف أنا فين و محتاجه أرض صلبة أقف عليها

- طب ما ده اللى انا بحكى فيه .. نتجوز و يبقى جوازنا أرض صلبة تقفى عليها

- مش بالطريقة دى .. ادينى فرصة أرسى الأول .. أشتغل وألاقى حته أعيش فيها مستقلة و بعدين منها نبدأ نجهز بيتنا وجوازنا .. مش قبل كده , كفاية انك مش هتاخدنى من بيت أهلى , مش هينفع يتقال طلعوا من الكافيه راحوا اتجوزوا يعنى

ابتسم . على مضض سيتقبل الفكرة التى عرضتها عليه لأن بدائلها معدمة , فأنا مصرة على ألا يعتقد أيا كان أننى هربت معه و اخترت تعاستى - هذا إذا ساءت الأمور فيما بعد وهو احتمال لا يجب تجاهله .. أحب أن تبقى الأمور فى نصابها فأنا لم أهرب وإنما غادرت , وهو لم يتزوجنى من كافيه وإنما كان لى قبله حياه مستقله .

- طب والعمل دلوقتى يا ست البنات ؟ هتقعدى فين يا ست المستقله؟

- ابتديت تفهمنى

الجزء الأول - كنارى

طالما كانت علاقتى بطيور الزينة معقدة ، فبين الرغبة الملحة فى اقتنائها و التساؤل الأزلى عن حقيقة موقفها من الأقفاص التى تعيش فيها انتهى أمر سبعة أزواج من الكنارى بطريقة متشابهه ، يطير أحد العصفورين من القفص - الشىء الذى يعتبره الآخرون إهمالا منى ، بينما لا يعلم حقيقه أنه إطلاق سراح غير مشروط غير العصفور وأنا - ليتوجب على بعد هذا اطلاق سراح الآخر أو إعادته إلى حيث اشتريته .
لكن ما كان يشغل بالى حقا هو شعور الطائر نفسه بعد إطلاق سراحه .. فجميعها تتصرف بطريقة مشابهة .. تحلق على علو منخفض ولمسافة صغيرة لتستقر على أقرب نافذة للشرفة التى هربت منها ، وكأنما تختبر أجنحتها ، ثم تتنقل تدريجيا الى شرفات أبعد وارتفاع أعلى حتى تغيب عن عينى تماما .
كانت أمى دوما تصفنى بالجنون ، قاصدة تلك الرغبة المستمرة فى الهروب والتى تتملكنى من آن لآخر .. كثيرا ما كانت تتذكر ضاحكة يوم جمعت بعضا من ملابسى فى حقيبتى المدرسية قاصدة الهروب من البيت مما اضطرها الى إغلاق باب البيت بالمفتاح وإبقاؤه فى صدرها طوال الليل لتمنعنى من تنفيذ مؤامرتى الصغيرة التى لم أكترث كثيرا بانكشافها .
الوقت يمر ببطء شديد جدا .. لم تكن الساعة تجاوزت السابعة بعد حين ارتفع أذان العشاء .. تبا للتوقيت الشتوى الذى ينهى اليوم قبل أن يبدأ .. بل تبا للنزعة المصرية التى توحى بانتهاء اليوم مع أذان العشاء . بالكاد مرت عشرون دقيقة على نهاية اتصالى بأحمد الذى انتظرته بموجبه أمام الكافيه الذى احتفلنا فيه بعيد ميلادى الماضى .. نحب هذا المكان حقا .. قررت التراجع عن قرار انتظاره بالخارج حين تجاوزت سخافة تعليقات المارة الحد الذى يمكننى تحمله فمضيت الى الداخل ..
قابلنى النادل الذى نعرفة بابتسامة ود وسؤال ما عن أحوالى فأجبته دون وعى " مستنية حد لما يجى هنطلب سوا " فانصرف مغمغما بشىء لم أتبينه ، وتركنى أسترجع مشاهد الفيلم العربى الذى كنت بطلته منذ قليل ، وأتخيل الفيلم الآخر الذى سألعب بطولته بعد لحظات .. " ايه بس اللى أخرك يا أحمد؟ " قلتها وأنا أنظر فى ساعة يدى لأصعق بأنه لم تمر سوى خمس دقائق .. اللعنه.
كنت مشوشة للغاية .. تتضارب فى رأسى ألف ألف فكرة عما سيحدث الآن ، بالرغم من أننى كنت أتوقع ما حدث منذ زمن وأخطط له كاحتمال وارد .. إلا أن خططى اللولبية تلاشت تماما الآن " متوترة ليه مش ده اللى كنتى عايزاه؟ " قلتها لنفسى أيضا فلم ترد .
الموسيقى اللاتينية التى تتردد فى المكان زادت من توترى نوعا بالرغم من أننى فى العادة أحبها ، ولكن اليوم أبعد ما يكون عن العادى من نواح عدة .. هاهو أحمد أخيرا يبدو بالضبط كما توقعت .. جزعا متوترا متحفزا بعد مكالمتى الأخيرة التى لم أخبره فيها بالطبع عن طبيعة المشكلة .. يبدو مناسبا تماما للدور الذى سيلعبه بعد قليل .
- فى إيه إنتى كويسه ؟ حد من اهلك جراله حاجه ؟
- دانتا نبيه جدا .. يعنى أهلى هيجرالهم حاجة وأنا هقعد معاك فى كافيه؟
- بطلى تريقة وقولى فى إيه وقعتى قلبى ..
أخذت نفسا عميقا ودارت فى ذهنى جميع الأفلام العربى التى تحدثت عن الموضوع دفعه واحدة قبل أن أقول ببساطة :
- أنا سبت البيت .

السبت، 9 أكتوبر 2010

مع الوقت



صوت نورا جونز الرقيق يحلق فى جو الغرفة ذات الاضاءة الخافته المستمدة فقط من الشمعات الست الضخمة التى وزعت فى جوانب الغرفة وعلى المنضدة الصغيرة التى تتوسطها متماشية تماما مع نسمات بداية الخريف الرقيقة التى تداعب ستائر الغرفة المنسدله بحميمية تكاد تتبع وقع خطواتهما الراقصة بهدوء شديد وذراعه يحيط بخصرها برقة شديدة جدا .. يكاد معها يمسها بأطراف أصابعه فقط حين وضعت هى رأسها على كتفه فى استسلام مغمضة عينيها هامسة فى أذنه ببعض كلمات الأغنية التى جاء صوتها فى أذنه أرق بكثير من صوت المغنية الحالم..

Come away where they can't tempt us with their lies..

هكذا همست فابتسم ابتسامة لم ترها و إن أحستها من زفرته التى داعبت شعرها المنسدل على عنقها هادئا ككل شىء فى أمسيتهما ..
دقائق مرت لم يعنيا بحسابها مستغرقين تماما فى أحدهما الآخر حين عادت هى تهمس فى أذنه برقة

Come away and I'll never stop loving you

ضمها اليه أكثر واقترب من أذنها ليهمس بدوره " ولا أنا هبطل أحبك .. أبدا "
رفعت رأسها من فوق كتفه للمرة الأولى ناظرة فى عينيه مباشرة متأملة كيف يبدو انعكاسها فى عينيه جميلا كما يبدو كل شىء .. ابتسمت .. تذكرت كيف كانت تردد له أنها يوما ما ستهرب من كل شىء لتختبىء فى عينيه .. وكيف كان يجيبها بأنه لن يفتحهما اذن أبدا كى لا يراها سواه . . انتقلت بنظراتها الى شفتيه المنفرجتين عن ابتسامة رضا قبل أن تطبع عليهما قبلة طويلة .. ثم أعادت رأسها الى كتفه بذات الهدوء ..
سكتت الموسيقى للحظة ثم بدأ صوتها يرد مع الأغنيه الجديدة بإغراء حالم

Bésame, bésame mucho Como si fuera esta noche La última vez

اعتبرها هو دعوة مستترة فلباها مسرعا .. مقبلا شفتيها بارتباك المرة الأولى .. بشغف المرة الأخيرة .... بحرارة لقاء تأخر .. بعذوبة ما يشعره كلاهما بين ذراعى الآخر من أمان .. تسارعت قبلاته حتى خالفت ايقاع الأمسية الحالم فأمسكت رأسه بكلتا يديها وأبعدتها عن وجهها مسافة سمحت لأنفاسها أن تصل شفتيه بعد .. وابتسمت قبل أن تقول من بين قبلاتها التى تتبع ايقاع الأغنية الهادىء :
- بهدوء .. ببطء .. مع المزيكا ..
ثم عاودت تقبيله فى صمت بعد أن استسلم لها تماما ..
فى ركن الحجرة استقرت طاولة مستديرة تحت مفرش مخملى رقيق اعتلتها بعض أطباق الطعام .. وتوسطها شمعدان بثلاث شمعات وردية متباينه الطول .. توجها إليها حالما انتهت الأغنية الحالية لتبدأ أغنية جديدة .. أمسكت بيده تتلمس فى نبضاتها أضطرابا يتماشى مع رعشات عود الثلاثى جبران .. حتى اذا وصلا بخطواتهما المتباطئة كأنما فى موكب ما أجلسها على الكرسى المقابل له وجلس أمامها .. بدءا فى تناول طعامهما بالطريقة التى يفضلها .. فقطع طعامه قطعا مناسبة ووضعها على شفتيها فقط ليلتقطه هو من بينهما برفق .. وكررت هى معه ما فعله هو فظلا يأكلان زمنا ..
انتهيا من الطعام .. فقبل يديها و نهض ليغسل يديه فالتمعت عيناها ببريق من أعد مفاجأة وقالت :
- لحظه واحده خليك مكانك ..
همت بالمغادرة فأمسك بكفها مقطبا ، هامسا : متمشيش
أجابت باشفاق باسم : مش هتأخر ..
انسلت من كفه وغادرت للحظات وعادت بابريق زجاجى مزخرف برسوم رائعه .. ووعاء زجاجى عميق واسع مزخرف بذات الرسوم .. اشترياهما معا يوما .. وقد استقرت منشفه زاهية الألوان على كتفها ..
امتلأ الإبريق بماء يفوح منه عطر حالم .. حين استقر قالب من الصابون فى قاع الوعاء .. ساعدها فى وضع الوعاء على الطاولة والتمعت عيناه بفرح طفولى مادا يديه إليها لتغسلهما إصبعا إصبعا وعلى شفتيها ابتسامة رضا نجحت تماما فى اخفاء ما تشعر به من آلآم ظهرها التى تعاودها كلما أطالت الإنحاء .. وشعر هو بها دون أن تبدى شيئا فانتهى من يديه سريعا وجفف يديه وأبعد الابريق والوعاء وحملها بذراعيه اللذان مازال بهما – رغم كل شىء – قوة تسمح بحملها .. ووضعها على الفراش برفق مقبلا جبينها هامسا : تسلم ايديكى يا حبيبتى..
استقر بجوارها ضاما إياها اليه ممررا يديه بين خصلات شعرها البيضاء والتى اتفقا على تركها على حالها دون خضاب أو أصباغ .. متذكرا – على قدر ما أسعفته الذاكرة – سنواتهما التى يحتفلا اليوم بإتمامها ثلاثين .. مستشعرا أنفاسها الرقيقة على صدره حيث يختبىء رأسها .. حين رفعت إليه عينيها ببطء وهمست بخجل :
- عايزة أعترفلك بحاجة
ضمها إليه مبتسما قائلا بثقة : عارف .. مش انتى اللى طبختى
أجابت بخجل : والله مكنتش قادرة أطبخ خالص .. فكلمت مليكة تيجى تطبخ على ما أنا أوضب الحاجات دى فى الأوضة .. وطبعا اتريقت عليا زى السنه اللى فاتت وقعدت تقوللى كبرتوا عالكلام ده و بطلوا شقاوة بأه مانت عارف بنتك .
ضحك قائلا : قلتلك بلاش بناتك يعرفوا لحسن يحسدونا ..محدش غيرنا يا حبيبتى هيفهم اللى بينا .. وانتى مصرة ما بتسمعيش الكلام
دفنت وجهها فى صدره أكثر وأجابت : مانا عارفه انك مش بتحب غير أكلى .. وأكل مليكة هو أقرب حاجه ليا أعمل ايه بس؟
قبل جبينها وضمها أكثر فقالت : هو احنا بجد كبرنا عالحاجات دى ؟
فرفع وجهها إليه ناظرا فى عينيها مباشرة قبل أن يجيب : كبرنا يا حبيبتى .. بس أكيد مش قد ما حبنا كبر .. عشان حبنا مش ضد الوقت .. معاه.

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

الرسالة الرابعة

هذه رسالتى الرابعة إليك .. لن تصلك كما لم تصلك سابقاتها .. ولكنها ربما تتسلل يوما إلى قلبك فتعاودك تلك الوخزة التى تشعر بها من آن لآخر .. فتتساءل فى نفسك عن حالى .. بالحديث عن هذا تعاودنى تلك الوخزة مرتين أو ثلاثة يوميا ولم أعد أتذمر .. فقط أفتقد مشاطرتها معك ..
فى الواقع لا أدرى لماذا اخترت هذه الرسالة باذات لانتهاك خصوصيتها .. فمحتواها لا يختلف عن أيا مما سبقها .. لعلى أردت التأكد أننى أكتب فعلا ولم أجن بعد، فكما تعلم الرسائل التى لا تصل لأصحابها أقصر الطرق لجنون كاتبيها ، ولعلها تلك الحالة .. ذلك الهاجس الذى ينتابنى من حين لآخر و يتردد فى رأسى ولا يخرج إلا بخروج الكلمات إلى النور .. بالرغم من أننى مازلت أتساءل .. أى نور هذا الذى لا تراه عيناك؟ ولكننى مازلت متمسكة بمبدأ أن الرثاء لنفسى لا يستوجب اغراقك فى المزيد من الهموم ، فأنا أعلم ما تشعر به وكفى .
حسنا لم أتغير كثيرا منذ ذلك الحين .. أصبحت أكثر قدرة على العد .. يوم .. اثنين .. ثلاثة .. أسبوع .. عشرة أيام ..عمر بأكمله ينقضى على صفحات مفكرة صغيرة أستخدمها لأذكر نفسى أننى مازلت حية كل صباح .. بعد أن اتسعت الفراغات بين أصابعى - تلك التى اعتادت أصابعك أن تملأها - فأصبحت أكثر قدرة على تسريب الأيام دون أن يعاودنى ذلك الألم الحاد الذى كان ينتابنى فى البداية ..
لم تتغير ملامحى كثيرا .. أتذكر تلك التجعيدة التى تعتلى زاوية فمى اليسرى عندما أضحك ؟ اختفت تماما !! ربما هى إحدى مزايا الوجوم التى بدأت اكتشافها بنفسى .. وربما أكتب عنها يوما فى احدى مواقع الجمال و المرأة .. نصيحة مجرب : ضحك أقل لشباب دائم .

أعلم أن الحياة ستتعامل معك باحترام ، لأنك تستحق ..
إعتن بنفسك .. أعلم أنك ستفعل

محبتى

الأحد، 3 أكتوبر 2010

سكر نبات

أول ما لفت انتباهى إليها كانت الخصلات البيضاء التى غزت شعرها الغجرى بالرغم من صغر سنها البادى على ملامحها التى كانت تفتقر الى الجمال نوعا .. كانت بادية القلق والارتباك وكأنها زيارتها الأولى لطبيب الأسنان .. أعلم أن الكثيرين يجدون الأمر مفزعا ويبدو عليهم القلق و التوتر فتتسارع كلماتهم و يشحب لونهم بمجرد جلوسهم على المقعد الجلدى المتحرك ، ولكنها بدأت فى أعراض التوتر المعروفه بمجرد دخولها عبر باب الحجرة .
كانت فى أواخر العشرين على أقصى تقدير .. ترتدى الجينز الأزرق الفاتح مع الأبيض و الأسود ذى الأكمام الطويله .. سمراء نحيلة تضع العوينات و تتحدث بعصبية .. ولاتكف عن العبث بأصابعها الخالية من أى أثر للارتباط ، وقد كانت واضحة منذ البداية :
- أنا بخاف جدا من دكاترة السنان و لولا ان ضرسى مش مخلينى أنام مكنتش جيت أبدا، فلو سمحت بالراحة خالص.
هكذا تحدثت الى الطبيب الذى أعمل أنا كمساعدة له والذى ابتسم بهدوء و أومأ أن " حاضر متقلقيش"..
كانت متعاونة بالقدر الذى سمحت به هيستيريتها، ففتحت فمها واحتملت بالكاد ألم إبرة التخدير .. طلب منها الطبيب المغادرة لدقائق ريثما يبدأ مفعول المخدر فغادرت على الفور.. وضغط هو زر الجرس ليطلب المريض التالى ناظرا إليها بإشفاق- تلك المسكينه.
انتهى الآن مما يفعله وضغط الزر مرة أخرى لتدخل ، وعندما لم يدخل أحد طلب منى أن أتفقد ما يحدث بالخارج ، فقط لأفتح الباب وأجدها بصحبة مريضة أخرى تقبض الفتاة على ذراعها بإحكام .. حيت المريضة الأخرى الطبيب بحميمية تدل على معرفة شخصية ، وبادلها التحية بما يؤكد هذا قبل أن تقول باسمة :
- أنا لقيتها خايفة و عايزة تمشى قلت أدخل معاها وهى بتخلع لو مفيش مشكلة..
باسغراب أخبرتها ألا مشكله هناك فدخلت الاثنتان ، تمددت الفتاه العصبية على الكرسى دون أن تفلت ذراع مرافقتها التى تعرفت عليها منذ دقائق ، حين بدأت أنا فى إعداد ما سيحتاجه الأمر من أدوات.
- بالراحة لو سمحت .. بالراحة
قالتها بعصبيتها الزائدة فابتسم الطبيب مطمئنا أن " مش عايزك تقلقى خالص ان شاء الله مش هتحسى بحاجة ، ولو حسيتى قوليلى وأنا أديكى بنج تانى ."
كنا نعلم أن هيستيريتها ستزيد من سوء الأمور ، ولكن لابد مما ليس منه بد.
بالطبع لم تكن أسهل الحالات التى يمكنك التعامل معها ، ليس طبيا و إنما إنسانيا .. خصوصا عندما بدأت فى البكاء و الضغط على رأسها بيديها مرددة " صداااااااااااااع " .. حتى انها نجحت فى إرباكى انا شخصيا حين بدأت فى ضرب ذراع الكرسى بيدها مرددة "كفاية" .. كانت لحظات ثقيله بالفعل .
بمعجزة ما أنهى الرجل ما بدأه وأعطاها تعليمات ما بعد الخلع ، وانصرفت شاكرة ، وبقيت الأخرى تحكى كيف وجدت الفتاة فى قاعه الانتظار بالخارج تحكى على الملأ أنها متوترة جدا ، ثم تتطرق إلى حياتها الشخصية فتخبر الجميع دون سابق معرفة كيف تعانى من حالة نفسية وتقصد طبيب نفسى للعلاج ، وتعيش مع أخيها وزوجته التى تكرهها ، ولا تجد ما تفعله بلا زوج أو عمل ، والكثير مما لا يقال فى العادة فى قاعة انتظار طبيب .
- أنا لقيتها قاعدة تتكلم والناس بتتفرج عليها ويبصولها بصات مش قد كده فقعدت أتكلم معاها ووعدتها إنى أدخل معاها وهى بتخلع بشرط إنها متتكلمش عن نفسها كده تانى عالملأ .. انت عارف الناس بيبصوا للى بيتعالج نفسيا إزاى مع إن كلنا مرضى بدرجات متفاوته ..
قالتها المرأة وهى تتمدد بهدوء على الكرسى المتحرك
- مسكينه .. كان باين عليها من أول ما دخلت إن فيها حاجة غلط
قالها الطبيب بلا مبالاه ..
- الحمد لله إنها جت على قد كده
قالتها قبل أن يبدأ الطبيب فيما هو بصدده .. بدأت ألاحظها ..
كانت فى أواخر الثلاثينات متوسطة الجمال ولكن اهتمامها بمظهرها بادى على ملابسها وحذائها و غطاء رأسها الأنيق ، وزينتها الهادئة التى تدل على بساطة ورقى فى نفس الوقت .. كان يناديها باسم تدليل بما يوحى بمعرفة وثيقة وكانت تتحدث بعفوية تؤكد هذا.. زميلته فى عمله بالفتره الصباحية كما اتضح لى من حوارهما ، تكبره بما لا يقل عن عشر سنوات تسمح لهما بهذا المزاح اللطيف دون أن يشعر أيا منهما بالحرج .
انتهى منها وثرثرا قليلا .. أشركتنى هى فى الحديث بعد أن تعرفنا كما ينبغى .. اندمجت معهما تماما وتحدثنا كأصدقاء .. ودودة جدا هى و على قدر كبير من الثقة بنفسها..
- عايزة صور خطوبتك بأه بقالك قد ايه واعدنى تجيبهوملى؟
قالتها مداعبه حين ضرب هو جبهته بيده مشيرا الى نسيانه التام
- معلش والله بنسى .. هجيبهوملك بكره ان شاء الله
- أما نشوف .. على الله بس ألحق أشوفهم قبل الفرح
قالتها ضاحكة وهى تتوجه نحو الباب مغادرة .. فضحك ثلاثتنا وودعتنا منصرفة .. أغلقت أنا الباب والتفت إليه
- لطيفه أوى مدام هند .. حبيتها
اندهش وأجاب مسرعا :
- مدام ايه دى مش متجوزة .. إوعى تكونى غلطتى و قلتيلها يا مدام لحسن أنا عملتها مرة فى أول معرفتى بيها و لقيتها أحرجت جدا ..
- معقول؟
أومأ مؤكدا فى أسف .. بذهول رحت أحاول تذكر أى قيود ذهبية فى أصابعها فلم أستطيع .. سرحت قليلا أقارن فى ذهنى بينها وبين المريضه الهيستيرية التى رافقتها ، وأسترجع تحديدا صورة الفتاة و هى تقبض على ذراعها عندما دخلت للمرة الثانية .. ولسبب ما تذكرت أغنية بعينها لمحمد منير .. وخطر لى أننى إذا فتشت فى جيوب أيا من الفتاتين .. فسأجد الكثير من سكر النبات ...