الأربعاء، 18 مايو 2011

1


أصعب ما قد يواجهك عندما تبدأ بسرد مأساة ما ، هو تحديد البداية ، متى بدأت الأمور تسلك منحدرا مأسويا يزداد تعرجا يوما بعد يوم؟
تبدأ مأساة البعض يوم مولدهم ، والبعض الآخر يولد من رحم مأساته ، التى غالبا ماتكون سبقته إلى الوجود بزمن بعيد ..

أنا لا أكره حياتى ، ولا أحسبها تفعل .. ولكننا فى حالة من الخلاف الأزلى حول ما أعتقد أننى أريده وما تظن هى أننى أحتاجه وما تقرر منحى بين هذا وذاك ..

يقولون أن الوقت خدعة كبرى، صحيح ، ولكن التوقيت هو كل شىء ..
لا يهم كم من الوقت يلزمك لتلتقى بحب حياتك أو تجد وظيفة أحلامك أو تكتشف فى نفسك ما كنت تبحث عنه منذ زمن ، كم من الوقت يلزمك لتفيق من وهم ما أو لتتخلص من عقدة بعينها ، ما يهم حقا هو توقيت حدوث ذلك .. وكيف ستكون بقية مجريات حياتك حين يمضى أحدها -أخيرا - فى الاتجاه الذى تريده له ..
ويقولون أيضا الحياة تقع بين مأساتين، إحداهما ألا تحصل على الشىء الذى تريده .. والأخرى أن تحصل عليه .. و السبب هو فروق التوقيت بالطبع .. وقد حصلت عليك فى التوقيت الخطأ .. فأفسدت حياتى كلها .. وإلى الآن لا أدرى هل كان الخطأ منى؟ أم أنه ببساطه قدرى .. مأساتى التى صنعتنى ؟

كانت ثمانية أشهر قد انقضت وأنا احاول جاهدة أن أتماسك ، وأعاند قدر ما استطعت رغبتى فى الاتصال بصلاح للتفاهم .. لم يهمنى وقتها أى شىء .. كنت عنيدة حد الغباء .. ترى لو كنت أقل عنادا؟؟..
لو .. لو .. لو ..
" لو" تفتح عمل الشيطان أو هكذا كانت أمى تقول .. ولكننى أظن أن عمل الشيطان فى حياتى لا يحتاج لكلمة سحرية لينفتح .. لقد دخل الشيطان حياتى لحظة ظهرت فيها .. ولن يضيف ندمى الآن شيئا ..

ثمانية أشهر تشاغلت فيها باللا شىء .. هربت من مشكلتى حتى نسيتها تقريبا .. مشكلتى التى اخترتها .. صلاح ..
زواجى الثانى هو ، وفشله يعنى فشلى الشخصى .. لم ينقضى العام على زواجى الأول فانتهى كما بدأ .. بلا هدف ولا مشاعر .. بلا أى شىء .. فقط أخذت مكانى فى قائمة المطلقات الكريهة وأصبحت موضوعا شائقا للحديث ومصمصة الشفاة ..
كنت أعرف صلاح طوال عمرى .. ففى بلدتنا الصغيرة لم يكن ثمة شخص غير معروف .. حتى أولئك الذين يسافرون إلى العاصمة ولا يعودون ، تظل مقاعدهم شاغرة فى كل جلسه ، وحكاياهم لا تنتهى ..
لم يسافر صلاح على أى حال ، وبالرغم من أنه كان موجودا على الدوام ، إلا أن قدرى لم يضعه فى طريقى إلا فى ذلك التوقيت بالذات ..
ربما بدأ كل شىء بزواجى من فؤاد .. وربما بدأ قبله ولكن فؤاد هو البداية الأجدر بالسرد ..
تزوجت فؤاد لأتحدى أخى .. لأتحدى الجميع ..
لأثبت له ولزوجته وللجميع أننى يمكننى أن أحظى بزوج يسعى إلى الزواج "بى" لا إلى مال إعارة أخى .. تزوجته كنوع من معاقبة النفس ومعاقبة الجميع .. أو ربما تصورت للحظة أنه العربه الأخيرة فى قطار الزواج الذى مر أمامى سريعا ، وقابلته بمزاج حاد ورفض وصل فى الكثير من الأحيان الى حد العنت ..
كنت جميلة .. وكنت أعرف هذا جيدا .. عينان عسليتان واسعتان ، وأهداب طويلة آسرة .. بشرة خمرية ناعمة .. وشعر كستنائى ناعم جدا .. وكان جسدى جميلا .. وكنت أمضى ساعاتى أمام المرآة .. أحسد نفسى على ما أنا عليه .. كنت مغرورة وكان ذلك من حقى ، فأنا الجامعيه الوحيدة فى البيت .. على الأقل حتى دخلت أختى الصغرى الجامعه بعد ذلك بفترة .. وكنت الأذكى بين إخوتى .. وكان اسمى وحده يفتح امامى الكثير من الأبواب المغلقة ..
كنت نرجس الذى أغرقه غروره فى عمر من الندم ..

تزوجت فؤاد وأنا أعلم أنه لا يناسبنى ، وأننى أستحق من هو أفضل .. بل أننى رفضت بالفعل من يفوقونه فى كل شىء .. وكان هو يعلم هذا ويراه فى عيون المحيطين بنا ، فيشعر بالنقص .. ويزداد عدوانية وفظاظة تجاهى .. ولعل هذا هو ما أنهى زواجنا سريعا .. كان زواجى منه حالة من المازوشية البحتة ..
لعلى توصلت إلى قرار الطلاق منذ شهرنا الأول .. ولزمنى شهر أو أكثر بعدها لأقنعه ، و حفاظا على المظاهر أجلنا التنفيذ ..
وأخيرا .. طلقنى
وشعرت بما تشعر به أى امرأة طلبت الطلاق ونالته .. ذلك المزيج الغريب من الراحة والقلق .. التحدى و الخوف .. الحرية والتقيد بما سيفرضه عليها المجتمع المحافظ ..
ولكنى كما قلت .. كنت عنيدة حد الغباء آنذاك .. لم يكن طلاقى الأول سهلا .. ولكننى تجاوزته ..
وكما تحديت الجميع لأتزوجه ، تحديت الجميع لأنال حريتى
ونلتها ..
ثم بدأ صلاح فى الظهور فى حياتى بقوة ..
كانت أسرته تمت بصلة مصاهرة إلى أسرتنا ، فاخته كانت زوجة أحد أقاربى ..
لا أذكر متى وكيف بدأت علاقتنا فى التطور ..
ربما كانت تلك الأمسية فى عيد الفطر .. كنا فى بيت خالتى التى كانت قد دعت الجميع إلى عشاء عائلى لطيف .. كان الجميع متحلقون حول المذياع - إذ لم يكن التليفزيون متداولا فى بيوت البسطاء وقتها - وشعرت ببعض الضيق حين التفت أحاديث النسوة لتدور حول النصيب ثم طلاقى بطريقة حسبنها غير مباشرة .. خرجت الى الفناء للحصول على بعض الهواء .. ووجدته فى الخارج يدخن سيجارته صامتا .. ابتسم لرؤيتى
- ازيك يا نجات؟
كانوا هناك لا ينادوننى باسمى الآخر ، المدون فى الأوراق الرسمية ، ويصرون على مناداتى باسمى الأصلى .. كان هذا يستفزنى وقتها .. فاسمى الرسمى أكثر تميزا وبريقا ، ويتماشى مع ما كنت أراه فى نفسى من تفرد .. ولكننى الآن .. أحن اليه كما أحن لكثير مما اعتاد أن يثير حنقى وقتها ..
- الحمد لله ، ازيك انت يا صلاح؟
- أهو الحمد لله كويس ، ايه الجماعه طفشوكى ولا ايه؟
قالها متعاطفا .. ليس ذلك التعاطف الذى يستفزك ويثير مشاعرك ، بل ذلك التعاطف الذى تشعر معه بأن هناك من (يفهم) و (يقدر) ما تمر به ، ولكنه يثق فى قدرتك على التعامل معه .. كان هذا بالضبط ما أحتاجه .. القليل من الثقة فى قدرتى على التعامل مع الأمور ..
مضى الحوار سلسا .. عن العيد والأهل ، والعمل .. كان الوحيد الذى لم يتحدث عن طلاقى منذ زمن ، دون أن يشعرنى بأنه يتعمد ذلك .. أشعرنى هذا بالراحه فأخذنا الحديث حتى منتصف الليل ..
كنا سنمضى ليلتنا فى بيت خالتى ، وكان موعد رحيله قد مضى منذ زمن .. وتعالى صوت النسوة يناديننى بإصرار كطفل مفقود ..
شعرت بالحرج من أجله ولكنه كان يتعامل مع الأمور ببساطه مطلقه .. ربما كانت تلك مشكلتنا فيما بعد .. بساطته المطلقة فى أمور تقتضى التعقيد ..
و بطريقة ما تطورت الأمور منذ تلك الليلة ..
صرنا نلقتى أكثر .. بمناسبة وبدون مناسبة ، مع الأهل أو بدونهم .. وكنا نتكلم فى كل شىء ..
كان رقيقا لا أنكر هذا .. كان حديثه حلوا .. حالما وعذبا ، وكان بيننا الكثير مما قد يدفع أى علاقة لطريق النجاح ، والكثير أيضا مما يدفعها للفشل ..
كان يصغرنى بعامين .. ربما لهذا تماديت فى حديثى معه فى البداية دون أن اكترث لما قد تؤول إليه الأمور .. كنت أعاند نفسى فى البداية وأكابر ، وأفضل الموت على الاعتراف بأننى قد أحبه ، وكنت أموت مرارا كلما واجهت نفسى بأننى أحببته بالفعل .. حتى فاجأنى هو باعترافه الذى لم أستطع التهرب منه ..

هناك تعليق واحد:

Ibrahim Ben Gamal يقول...

لم اجد ما اعلق به , خاصة انني لا اعرف هل هذا مقال سردي شخصي أم قصة قصيرة؟؟
ولكنني وبدون وعي مني امتزجت مع الحدث مع نرجس وفؤاد وصلاح والحداث الشائقة , فعلمت انني اخترت الاختيار الثاني , هنيئا لنا بقلمك ما تكتبين .