الثلاثاء، 24 مايو 2011

ضربة شمس

كنا راجعين من الدقى فى تاكسى ..
السواق شاب صغير و بيرغى مع الوالد فى أى كلام ومشغل الكاسيت ومعليه .. وأنا بحب السواق اللى يشغل مزيكا وهو ماشى أيا كان نوعها ، وبحبه أكتر لو مش مشغل تمورة أو حاجة كده زى دقيقة حداد ..
الراجل كتر خيره كان مشغل عبد الحليم .. طب والله جميل أهو وبيفهم .. بتلومونى ليه .. على خيرة الله
اكتشفت بالصدفة انى أول مرة أسمعها بوضوح ، وأول مرة أسمعها للآخر .. وطبعا أول مرة أسمعها عالنيل .. وأنا بسمعها وعدت النيل إنى هسمعها تانى مع حبيبى قدامه مرة .. وحسيت انى عايزة أقول الوعد ده بصوت عالى بس مأمكنش طبعا لأسباب أحسبها مفهومة .. وبعدين قلت لنفسى أكيد هو فاهم من غير ما أعلى صوتى ..
فجأة وبعد ما الأغنية خلصت اشتغلت أغنية فارس .. بنت بلادى !!
بالنسبة لعبد الحليم؟ يعنى عبد الحليم وبعديها على طول بنت بلادى؟ هو يا إما حوافر وقرون يا إما كوتشى؟
دانتا سواق متطرف يا جدع !!
عموما كنا مازلنا جمب النيل ، وطبعا النيل كفيل بأنه يخلى أى حد بيقول أى حاجه تبدو ممتعه للحظة ، ويبدو استمتاعك بيها ذكرى ممتعة لبعد اللحظة بكتير ...
سبحان الله لقيتنى مبسوطة عادى وأنا بسمع .. متقفلتش برغم وعيى الكامل بإن ده "فارس" .. بيغنى "بنت بلادى" .. بس احنا عالنيل عيب يعنى ..
بعدها اشتغلت أغنية هشام عباس "حبيتها" .. غالبا الراجل ده يا مجنون يا مِدمِن .. الفكرة بقى مبقتش فى الراجل وذوقة الخزعبلى .. الفكرة إن أغنية هشام عباس دى رجعتنى للعصر الذهبى للفلاح .. فترة التسعينات اللى بعتبرها أحلى فترات حياتى .. رجعتنى لزمن كنت فيه أول ما حد يسألنى بتحبى تسمعى مين أجاوب بكل فخر "هشام عباس" و"حميدو الشاعرى" .. طبعا ده قبل ما أكتشف انى طول المدة دى كنت مخدوعه فيه وإن إسمه حميد مش حميدو :)
سرحت فى أغانى هشام فى الفتره دى .. كانت حلوة أوى أو هكذا بدت لى وقتها .. الدويتو العجيب بتاع الحلوة أم الضفاير اللى بابا كان بيصحينى عليه من النوم أيام الأجازة .. وأغنية زمان وأنا صغير الى كنت بعيط من المزيكا بتاعتها لأنى مكنتش بفهم الكلام أوى .. بس كنت بحس إنه حد زعلان أوى ..
قطع حبل أفكارى واحد معدى بعربية ترمس فى الإشارة .. أنا بقالى كام يوم بتوحم عالترمس وآخر مرة كلت ترمس من الشارع طعمه معجبنيش .. كنت متوقعه ترمس زى اللى كنا بنجيبه أيام المدرسة واحنا مروحين .. الراجل كان بيجى وقت خروجنا بعربيته وأنا طبعا كنت بعانى صراع مرير مع النفس عشان أحافظ على مصروفى طول اليوم وأبعد قدر المستطاع عن الكانتين طول الفسحة عشان أجيب ترمس وفيشار وأنا مروحة .. أو أشتريلى كتكوت أخضر ويموت بعد يومين وأعمل مناحة لأمى .. أو أشترى دودة قز وأمى يجيلها انهيار عصبى وهى بتسمع مشروعى اللوذعى لإنتاج الحرير محليا - ومحليا دى تعنى عندنا فى البيت .. كده يعنى كنت كائن فضائى بصراحة ..
إحم إحم .. عودة للترمس ..
أيوة كنت بقول الترمس بتاع المدرسة كان طعمه حلو ومستوى كويس .. الترمس بتاع آخر مرة كان أعوذ بالله ..
طبعا أحلام الترمس والحرير والكتاكيت الخضرا مرت كلها قدام عينيا واحنا فى الإشارة .. التاكسى واقف قدامه بمترين .. أندهله؟ هيجى؟ والسواق؟ وأبويا؟ طب لو الإشارة فتحت؟ ولا لو حد سرق عربية الترمس منه وهو جاى يجيبلى الترمس؟ ها؟ أروح فين وآجى منين؟ طبعا الصراع ده كانت نهايته الطبيعيه ان الاشارة فتحت ومجبتش الترمس ..
الراجل اللى كان مشغل عبد الحليم وفارس وهشام عباس حب يكمل المجموعه الهايلة دى بحاجة لمنير .. لأ ومش أى حاجه .. دى "دايرة الرحلة" .. اتأكدت ساعتها انه كائن فضائى طبعا لأن مفيش بنى آدم ممكن يكون ذوقة كده أبدا .. بس استمتعت وأنا بغنى مع منير ..
عدت فى دايرة الرحلة بسلام؟ يبقى البديهى بعد منير إيه بقى؟ بالظبط .. تمورة !!
أنا كنت عارفه ان المشوار ده آخرته طين ، بس غالبا تأثير النيل مكانش لسه راح لأنى ضحكت وانا بسمع الأغنيه بتاعت فهمى لمعى فوزىىىىىىىىىىىى .. ضحكت بجد .. دى أول مرة أركز فيها برضو وأول مرة أسمعها لآخرها ..
آخر أغنية بقى الطامة الكبرى .. سيرة الحب .. أم كلثوم !!!!
جه فى دماغى كريم عبد العزيز فى الباشا تلميذ وهو بيقول "آه دى مجنونة مجنونة آه " ..
عموما .. موضوعه .. وقته خلص ومشوارنا معاه خلص ، وكده بقت حصيلة اليوم :
1- أمنية عند النيل
2- بتلومونى ليه كامله
3- افتكرت آسفة انى كبرت وبطلت أحب هشام عباس ، وده غالبا كان يوم ماعرفت إن حميدو الشاعرى مسموش حميدو .
4- استعدت تاريخ الكتاكيت الخضرا ودود القز والفيشار كاملا ..

وأخيرا .. حكمة اليوم الخاصة جدا " لو هتشترى من عربية ترمس واقفة فى إشارة يا ريت تاخد القرار بسرعه"




*** قد يكون عنوان الرسالة هو التفسير الأكثر منطقية لمحتواها ***

الأربعاء، 18 مايو 2011

1


أصعب ما قد يواجهك عندما تبدأ بسرد مأساة ما ، هو تحديد البداية ، متى بدأت الأمور تسلك منحدرا مأسويا يزداد تعرجا يوما بعد يوم؟
تبدأ مأساة البعض يوم مولدهم ، والبعض الآخر يولد من رحم مأساته ، التى غالبا ماتكون سبقته إلى الوجود بزمن بعيد ..

أنا لا أكره حياتى ، ولا أحسبها تفعل .. ولكننا فى حالة من الخلاف الأزلى حول ما أعتقد أننى أريده وما تظن هى أننى أحتاجه وما تقرر منحى بين هذا وذاك ..

يقولون أن الوقت خدعة كبرى، صحيح ، ولكن التوقيت هو كل شىء ..
لا يهم كم من الوقت يلزمك لتلتقى بحب حياتك أو تجد وظيفة أحلامك أو تكتشف فى نفسك ما كنت تبحث عنه منذ زمن ، كم من الوقت يلزمك لتفيق من وهم ما أو لتتخلص من عقدة بعينها ، ما يهم حقا هو توقيت حدوث ذلك .. وكيف ستكون بقية مجريات حياتك حين يمضى أحدها -أخيرا - فى الاتجاه الذى تريده له ..
ويقولون أيضا الحياة تقع بين مأساتين، إحداهما ألا تحصل على الشىء الذى تريده .. والأخرى أن تحصل عليه .. و السبب هو فروق التوقيت بالطبع .. وقد حصلت عليك فى التوقيت الخطأ .. فأفسدت حياتى كلها .. وإلى الآن لا أدرى هل كان الخطأ منى؟ أم أنه ببساطه قدرى .. مأساتى التى صنعتنى ؟

كانت ثمانية أشهر قد انقضت وأنا احاول جاهدة أن أتماسك ، وأعاند قدر ما استطعت رغبتى فى الاتصال بصلاح للتفاهم .. لم يهمنى وقتها أى شىء .. كنت عنيدة حد الغباء .. ترى لو كنت أقل عنادا؟؟..
لو .. لو .. لو ..
" لو" تفتح عمل الشيطان أو هكذا كانت أمى تقول .. ولكننى أظن أن عمل الشيطان فى حياتى لا يحتاج لكلمة سحرية لينفتح .. لقد دخل الشيطان حياتى لحظة ظهرت فيها .. ولن يضيف ندمى الآن شيئا ..

ثمانية أشهر تشاغلت فيها باللا شىء .. هربت من مشكلتى حتى نسيتها تقريبا .. مشكلتى التى اخترتها .. صلاح ..
زواجى الثانى هو ، وفشله يعنى فشلى الشخصى .. لم ينقضى العام على زواجى الأول فانتهى كما بدأ .. بلا هدف ولا مشاعر .. بلا أى شىء .. فقط أخذت مكانى فى قائمة المطلقات الكريهة وأصبحت موضوعا شائقا للحديث ومصمصة الشفاة ..
كنت أعرف صلاح طوال عمرى .. ففى بلدتنا الصغيرة لم يكن ثمة شخص غير معروف .. حتى أولئك الذين يسافرون إلى العاصمة ولا يعودون ، تظل مقاعدهم شاغرة فى كل جلسه ، وحكاياهم لا تنتهى ..
لم يسافر صلاح على أى حال ، وبالرغم من أنه كان موجودا على الدوام ، إلا أن قدرى لم يضعه فى طريقى إلا فى ذلك التوقيت بالذات ..
ربما بدأ كل شىء بزواجى من فؤاد .. وربما بدأ قبله ولكن فؤاد هو البداية الأجدر بالسرد ..
تزوجت فؤاد لأتحدى أخى .. لأتحدى الجميع ..
لأثبت له ولزوجته وللجميع أننى يمكننى أن أحظى بزوج يسعى إلى الزواج "بى" لا إلى مال إعارة أخى .. تزوجته كنوع من معاقبة النفس ومعاقبة الجميع .. أو ربما تصورت للحظة أنه العربه الأخيرة فى قطار الزواج الذى مر أمامى سريعا ، وقابلته بمزاج حاد ورفض وصل فى الكثير من الأحيان الى حد العنت ..
كنت جميلة .. وكنت أعرف هذا جيدا .. عينان عسليتان واسعتان ، وأهداب طويلة آسرة .. بشرة خمرية ناعمة .. وشعر كستنائى ناعم جدا .. وكان جسدى جميلا .. وكنت أمضى ساعاتى أمام المرآة .. أحسد نفسى على ما أنا عليه .. كنت مغرورة وكان ذلك من حقى ، فأنا الجامعيه الوحيدة فى البيت .. على الأقل حتى دخلت أختى الصغرى الجامعه بعد ذلك بفترة .. وكنت الأذكى بين إخوتى .. وكان اسمى وحده يفتح امامى الكثير من الأبواب المغلقة ..
كنت نرجس الذى أغرقه غروره فى عمر من الندم ..

تزوجت فؤاد وأنا أعلم أنه لا يناسبنى ، وأننى أستحق من هو أفضل .. بل أننى رفضت بالفعل من يفوقونه فى كل شىء .. وكان هو يعلم هذا ويراه فى عيون المحيطين بنا ، فيشعر بالنقص .. ويزداد عدوانية وفظاظة تجاهى .. ولعل هذا هو ما أنهى زواجنا سريعا .. كان زواجى منه حالة من المازوشية البحتة ..
لعلى توصلت إلى قرار الطلاق منذ شهرنا الأول .. ولزمنى شهر أو أكثر بعدها لأقنعه ، و حفاظا على المظاهر أجلنا التنفيذ ..
وأخيرا .. طلقنى
وشعرت بما تشعر به أى امرأة طلبت الطلاق ونالته .. ذلك المزيج الغريب من الراحة والقلق .. التحدى و الخوف .. الحرية والتقيد بما سيفرضه عليها المجتمع المحافظ ..
ولكنى كما قلت .. كنت عنيدة حد الغباء آنذاك .. لم يكن طلاقى الأول سهلا .. ولكننى تجاوزته ..
وكما تحديت الجميع لأتزوجه ، تحديت الجميع لأنال حريتى
ونلتها ..
ثم بدأ صلاح فى الظهور فى حياتى بقوة ..
كانت أسرته تمت بصلة مصاهرة إلى أسرتنا ، فاخته كانت زوجة أحد أقاربى ..
لا أذكر متى وكيف بدأت علاقتنا فى التطور ..
ربما كانت تلك الأمسية فى عيد الفطر .. كنا فى بيت خالتى التى كانت قد دعت الجميع إلى عشاء عائلى لطيف .. كان الجميع متحلقون حول المذياع - إذ لم يكن التليفزيون متداولا فى بيوت البسطاء وقتها - وشعرت ببعض الضيق حين التفت أحاديث النسوة لتدور حول النصيب ثم طلاقى بطريقة حسبنها غير مباشرة .. خرجت الى الفناء للحصول على بعض الهواء .. ووجدته فى الخارج يدخن سيجارته صامتا .. ابتسم لرؤيتى
- ازيك يا نجات؟
كانوا هناك لا ينادوننى باسمى الآخر ، المدون فى الأوراق الرسمية ، ويصرون على مناداتى باسمى الأصلى .. كان هذا يستفزنى وقتها .. فاسمى الرسمى أكثر تميزا وبريقا ، ويتماشى مع ما كنت أراه فى نفسى من تفرد .. ولكننى الآن .. أحن اليه كما أحن لكثير مما اعتاد أن يثير حنقى وقتها ..
- الحمد لله ، ازيك انت يا صلاح؟
- أهو الحمد لله كويس ، ايه الجماعه طفشوكى ولا ايه؟
قالها متعاطفا .. ليس ذلك التعاطف الذى يستفزك ويثير مشاعرك ، بل ذلك التعاطف الذى تشعر معه بأن هناك من (يفهم) و (يقدر) ما تمر به ، ولكنه يثق فى قدرتك على التعامل معه .. كان هذا بالضبط ما أحتاجه .. القليل من الثقة فى قدرتى على التعامل مع الأمور ..
مضى الحوار سلسا .. عن العيد والأهل ، والعمل .. كان الوحيد الذى لم يتحدث عن طلاقى منذ زمن ، دون أن يشعرنى بأنه يتعمد ذلك .. أشعرنى هذا بالراحه فأخذنا الحديث حتى منتصف الليل ..
كنا سنمضى ليلتنا فى بيت خالتى ، وكان موعد رحيله قد مضى منذ زمن .. وتعالى صوت النسوة يناديننى بإصرار كطفل مفقود ..
شعرت بالحرج من أجله ولكنه كان يتعامل مع الأمور ببساطه مطلقه .. ربما كانت تلك مشكلتنا فيما بعد .. بساطته المطلقة فى أمور تقتضى التعقيد ..
و بطريقة ما تطورت الأمور منذ تلك الليلة ..
صرنا نلقتى أكثر .. بمناسبة وبدون مناسبة ، مع الأهل أو بدونهم .. وكنا نتكلم فى كل شىء ..
كان رقيقا لا أنكر هذا .. كان حديثه حلوا .. حالما وعذبا ، وكان بيننا الكثير مما قد يدفع أى علاقة لطريق النجاح ، والكثير أيضا مما يدفعها للفشل ..
كان يصغرنى بعامين .. ربما لهذا تماديت فى حديثى معه فى البداية دون أن اكترث لما قد تؤول إليه الأمور .. كنت أعاند نفسى فى البداية وأكابر ، وأفضل الموت على الاعتراف بأننى قد أحبه ، وكنت أموت مرارا كلما واجهت نفسى بأننى أحببته بالفعل .. حتى فاجأنى هو باعترافه الذى لم أستطع التهرب منه ..