الاثنين، 26 يناير 2009

كنكهة القرفة

"انا لا احب مذاق القرفة .. لكن ما اجده فى نكهة القرفة المنبعثة من واجهة ذلك المقهى كاف لكى ادرجها فى قائمة ما كان قليله مسكر .. هكذا كان هو و هكذا قدر لعلاقتنا ان تكون .. ان تتبع ما كان قليله مسكر و كثيره عذاب "


منذ اللحظة الاولى شعرت بأن اليوم مختلف..جميل ربما..دافىء بعض الشىء..استيقظت وحدى دون مضايقات قبل موعدى ب 4 ساعات تقريبا.. ظللت اتقلب فى فراشى لقرابة الساعة و ذكرى معينة بادلتنى تحية الصباح فاحتضنتها.. جرى اليوم كيفما اتفق من افطار و ملابس و موسيقى .. مارسيل خليفة كبداية نمطية ليوم يفوح بالاختلاف.. لا مانع من صوت فيروز كخلفية لتغيير الملابس .. بعدك على بالى؟ ليست على الهاتف للأسف .. اغنية تلو الاخرى .. اجد ل"كيفك انت" رنين مختلف استمتع به فاسمعها للمرة الثانية مع ما يناسبها من الحنين ..
فى الشارع و الهواية المفضلة فى تأمل الطريق .. المارة يبدون اجمل و اصغر .. يضعون العطور و يبسمون و( خافقى يقول و نحن سوف نبتسم) .. حتى بائع الفول بدا مختلفا .. ربما اختفت تجعيدتان من حول فمه فبدت ابتسامته المعتاده اكثر الفة فبادلته اياها و مضيت ..
عند البوابة انظر الى مكان بعينه فيثير حنينا خافتا و شعورا مبهما بأننى سألقاه اليوم .. تابعت فى طريقى فقط لأصادف صديقة قديمة .. بعد الكثير من " فينك يا ندلة واحشاااااانى " قررت ان امضى معها ما تبقى من الوقت حتى يحين موعدى .. هل اسألها عنه؟ لا داعى ..
اتجهنا الى حيث تجلس هى فى العادة عند كليتها .. كنا نهم باجتياز بوابة اخرى حين هتفت هى باسمه .. هل قرأت افكارى؟ لم استوعب للحظة انه امامنا مباشرة .. نظرت اليه و ابتسمت فابتسم .. بالطبع كان فى طريقه الى مكان ما فالغى موعده فى الحال كما تلاشت فكرة موعدى فى ذات اللحظة .. " دايما مجمعاكو انا "هذه كانت من الفتاه و كانت محقة تماما .. الم تجمعنا هى منذ البداية ؟ اخبرته اننى كنت اعلم اننى سأراه اليوم و اننى سمعت كيفك انت مرتين .. ضحك كثيرا .. و ضحكت .
لم تطل البقاء و استأذنت و انصرفت و مضينا الى حيث يمكننا الجلوس .. كلما صادفنا احدا المح السؤال السرمدى فى عينيهم " انتو رجعتوا؟ " لكن احدا لا يسأل كما اتظاهر انا بالغباء و انظر اليه فيفهمنى كما اعتاد و ينهى الحديث و نغادر .. بمفردنا جلسنا لفتره متجاهلين حقيقة انفصالنا الذى مضى عليه قرابة التسعة اشهر .. و متجاهلين خلو وضعنا من القدر الادنى من المنطق ولكننا كنا سعيدين و كفى ..
كان حديثه حلوا كشأنه دائما .. يخبرنى انى تحفته و اساوى الاف النجمات .. اخبره اننى لم املك فى الدنيا الا عينيه و احزانى .. و اننى لا امانع حنينى اليه من آن لآخر .. يعتذر عن حماقات الماضى و اخبره اننى لا اتذكر الا كونى سعيدة و كونه كذلك .. و الحماقات التى يصر تذكرها قد محت بالفعل .. نصمت .. نتذكر لقاءنا الاول و الثانى .. نضحك .. ندمع .. ندندن لحنا حزينا لفيروز ثم نعاود الصمت .. اتذكر بفخر كونى نافذته على اغانى فيروز ..
نتودع فى نهاية اليوم .. بلا موعد ولا جديد ..
- " الصدفة الجاية عايزة اشوفك احسن " قلتها انا
-" خدى بالك من نفسك اوى اوى " قالها هو
ذهبت فى طريقى و انا على يقين من ان نظراته تتابعنى حتى البيت .. لم اتلفت و ألوح كى لا يأخذ الامر طابع افلام الستينات .. يكفينى منه ما اصبته اليوم .. تكفينى الصدفة .. و السعادة الوقتيه .. كنكهة القرفة.
الموعد الاول محمود درويش
كلمات نزار قبانى
نهر الاحزان نزار قبانى

الخميس، 8 يناير 2009

توازى

جلس منصتا فى اهتمام الى ما يعتبره سيمفونية نقر اصابعها على الطاولة التى جلسا اليها تحتسى هى مشروبها المفضل بينما يدخن هو سيجارته شاردا.. ساخرا من نفسه ان تكون هى بالذات موضع شروده بينما يعلم هو تمام العلم ان هناك " اخر" هو موضع شرودها .. كان يلاحظ تفاصيلها بدقة كمن يقابلها للمرة الاولى و يرغب فى ان يعى منها قدر المستطاع خوفا الا يراها ثانية .. يبتسم ساخرا ثانية فهو يعلم تمام العلم انه لابد من مرات ثانيه..مسمتدا ثقته من صداقة ربطتهما منذ قرابة الثمانى شهور تجعل اطول مدة ممكنة ليقضيها كلاهما متباعدين لا تتجاوز اليومين..
كان يعرف أن هناك اخرا بحسب ما يعرفها.. فهى لا تبدو شاردة الا عندما يبدأ قلبها بالخفقان..لا تبدو صامته مستغرقة الا عندما ينقر احدهم باب قلبها بالقوة الكافية لدفعها للتفكير ما اذا كان عليها ان تفتح ام لا.. وبقدر ما يحب تحكمها فى مشاعرها بقدر ما يكرهها حين لا توجه هذه المشاعر التى لا يقدرها سواه الا لسواه.. لم يكن يملك ترف ان يبادرها بالسؤال الذى يؤرقه منذ مدة عن فارسها الجديد فهو يعلم ان احترامه لخصوصيتها هو الضمان الوحيد لاستمرار صداقتهما وبقائها.. فى الوقت الذى انهارت فيه صداقات أشد وثاقة بسبب تجاوز الاخرين لخطوطها الحمراء.. الشىء الذى لا تسمح هى به ايا كان الدافع و ايا كانت منزلة هؤلاء.. والذى تراه كافيا لانهاء تلك الصداقات فى الحال لتبتعد تاركة الف علامة تعجب فى رأس الكثيرين.
كانت هى كما توقع غارقة تماما فى ما ستفعله بصدد اخر برز من العدم و طرق باب قلبها بالعنف المناسب.. تتأمل دخان سيجارته المشتعلة ثم تخفض عينيها الى الرماد المتساقط لتكتشف انها مع هذا الاخر لا تملك الا التساقط تباعا .. شعورا كريها بالميل الى الاخر كان كافيا بالنسبة لها لتحسم أمرها .. ستبتعد عن ذلك الاخر للأبد فهى تكره ان تنتمى الى أيهم تحت أى مسمى ..
- فيييييينك ؟
قالها باسما لكسر الصمت الذى طال دون فائدة..ليس انه يكره صمتها بل لانه شعر انه يفتقد صوتها و فلسفتها حين تتكلم ..ابتسمت ابتسامه ذابلة من تلك التى يعشقها قائلة :
- احزان و يعدو
ابتسم ابتسامة مماثلة.. وتعجب فى نفسه من كونها تمتلك سيطرة تامة على كلماتها تستمد منها سيطرة تامة عليه بحيث تعرف تماما ما الذى يقال و متى .. فتتسع ابتسامته اعجابا .. بعد تفكير قال :
- شكلك مش عاجبنى النهاردة..
- ولا عاجبنى انا كمان
قالتها مرسلة تنهيدة مرجعة رأسها الى الوراء ثم اعادت رأسها للامام ببطء و غرقت فى افكارها من جديد..
- بحبك
- و ماله.. انا لو مكانك كنت حبيتنى برضو
قالتها فى ثقة وهدوء كانت لتصدم سواه و لكنها لم تصدمه بعد كل ما عرفه فيها من تماسك يصل الى حد البرود .. لم يتأثر لبرودها فلم يتوقع للحظة انها ستخر صريعة معترفة بحبها المكبوت منذ الازل حالما يبادرها هو باعترافه الاسطورى ..
نظر اليها طويلا و لم يعلق..بادلته النظرات ففهمت على الفور انه لن يتكلم لكن الفضول النهم فى عيناه جعلها تبدأ:
- بص اللى هقوله ده هقوله مرة واحدة و نقفل الموضوع و ننساه على كده عشان احنا الاتنين مش عايزين وجع دماغ..تمام؟
أومأ برأسه و ان كان قد خمن معنى كلامها مسبقا و لكنه يحب ان يسمعها.. فلسفتها تضفى على اكثر الافكار ايلاما طابعا ساحرا يعشقه هو.. بدات الكلام مستعملة يديها لتشرح له كما تفعل عندما تشك فى سهولة وصول ما ستقوله الى من سيسمعه:
- بص.. كل خطين فى الدنيا بعد ما يتقابلو فى نقطة ايه اللى بيحصل؟
نظر اليها فى غير فهم " خطين ايه و بتنجان ايه؟ البت دى مجنونة؟" هذه كانت لنفسه طبعا و ان وشت ملامحه بما يدور بداخله..
- ركز يابنى .. فى الهندسة عموما مش اى خطين بيقطعوا بعض فى نقطة بيكملو فى طريقهم بعيد عن بعض بعدها؟ كل واحد فى اتجاه بعيد تماما عن التانى وبتبقى كل اللى بينهم النقطة اللى اتلاقوا فيها صح؟
- ممممممممممممممم
- لكن لو الخطين دول متوازيين و عمرهم ما قطعوا بعض هيفضلو مكملين مع بعض على طول .. أى نعم هما موصلوش من القرب للحد اللى يتقابلو فيه فى نقطة لكنهم هيفضلوا جنب بعض على طول
- مممممممم
- انا و انت بأه خطين متوازيين..لو غيرت انت مسارك و اتقابلنا فى نقطة و بقى اللى بيننا حب و كلام فاضى هيكون مصيرنا هو المصير الهندسى المعروف لأى خطين يتقابلوا فى نقطه.. ان كل واحد فيهم هيكمل فى طريقه بعيد عن التانى و هيبقى كل اللى بيننا هى النقطة اللى كنا عندها احباب.. و انا مش عايزة كده .. انا عايزياك جنبى على التوازى..مش عايزة يبقى كل اللى بيننا نقطة نتقابل قيها و بعدين كل واحد يروح لحاله.
صمت مفكرا فى كلماتها .. لم تقنعه الفكرة ولكن اقنعه اقتناعها هى بها .. هى دوما على صواب حتى و ان بدا كلامها اقرب الى الهذيان .. هذا ما اعتاده منها .. كان فى البداية لا يتقبل افكارها ثم ما ان يخلو الى نفسه مفكرا يجد انها محقة تماما و لكن مشكلتها هى تلك الزاوية العجيبة التى تنظر من خلالها الى الامور و التى علمته ان ينظر الى الامور من خلالها ليفهم كيف تفكر و يكف عن التعجب أو اتهامها بالجنون كما يفعل الاخرون.. و قد كان.. و ان لم يمنعه ذلك من محاولة أخيرة :
- يعنى كل الناس اللى بيحبوا و بيتجوزوا دول اللى بينهم نقطة؟
- اففففففف.. هتتكلم زى الناس و هحس انك مش فاهمنى .. يابنى مش كل اللى بيحبوا بيتجوزو..و الحياة مش فيلم عربى بينتهى لما البطل يبوس البطلة من ورا الطبلة .. مش كل اللى بيتجوزو بيتجوزو عن حب..و مش كل اللى بيتجوزو عن حب بيحافظو على حبهم بعد الجواز .. بلاش تبقى سطحى كده ..
صمتت لتلتقط انفاسها و ترى اثر كلماتها عليه..ادركت كم كانت قاسية فتداركت الموقف.
- بص.. انا بحبك اوى.. بالدرجة الكافية لأنى مضيعش علاقتنا دى فى انى احطها فى الاطار التقليدى للعلاقات الفاكسانه بين أى واحد وواحدة يقربوا من بعض شوية .. انا عايزانا نفضل سبيشيال كده .. و التفرد اللى فى علاقتنا ده مصدره التوازى .. عشان كده لازم نحافظ على التوازى ده.. اتفقنا؟
نظرت اليه بضيق فهم منه انها لن تتقبل كلمة أخرى فى الموضوع .. و ايقن ان التمادى فى محاولة اقناعها لن يكون سوى مخاطرة لا داعى لها بعلاقة تساوى عنده الحياة.. أوما برأسه و أشعل سيجارة أخرى صامتا..
تناست هى الموقف برمته و عادت الاستغراق فى اشياء غير محددة بينما نفث هو دخان سيجارته شاردا..

السبت، 3 يناير 2009

نص حالة

احساس غريب لا يتعدى كونه "نصف حاله".. متلازمة لا نهائية من افتقاد انصاف أشياء لا أجد الفرصة لأعيها بوضوح .. لتدور مشاعرى كلها فى فلك أنصاف غير مكتملة .. كما تقول أصالة " نص ضحكة .. نص فرحة .. نص راحة " و كما أحب ان أضيف " نص وحدة .. نص حزن .. نص كل حاجة " أنصاف كثيرة تنتظر أن أنظر فى أمرها تمهيدا لأن أكملها .. فلا الوحدة التى أعيشها هى الوحدة المعتادة بين لذة الانفراد بالنفس و لعنة الانعزال عن الاخرين .. ولا يرقى الحزن الذى أشعره الى حزنى المعتاد ذو النكهة المحببة للأحزان العادية..
أكاد أشعر بالملل بالرغم اننى لا اجد الوقت الكافى لحك انفى و بالرغم من أن حياتى مشحونة بالالاف من الاشياء التى وددت لو استطيع وصفها بالتفاهة ولكنها للأسف .. ليست تافهة.
أحيا فى " نصف اتفاق " مع نفسى ..أختلف معها كثيرا ولا أكاد أعى سبب الاختلاف.. أقترب منها فتبتعد هى فأبتعد بدورى فتقترب ثانية و هكذا لا أستطيع أن أجمعنى بنفسى فى "قعدة عرب" كى أفهم ايه المشكلة بالضبط ؟
ربنا السبب افتقاد نقطة الارتكاز .. ربما افتقاد أشياء اخرى .. ربما افتقاد " طعم الحاجات " الذى تلاشى مع برودة الشتاء .. ربما التشتت الذى يرمى ظلاله على كل ما يحيط بى حاليا قد اضاف بصمته على علاقتى بنفسى .. لا ادرى.


" صحيح happy new year "