الخميس، 2 يونيو 2011

2


أنا لا أحب صلاح ، ولكنه الانجذاب الذى تشعر به أية أنثى أهدرت أنوثتها فى علاقة فاشلة فور خروجها منها .. لأول رجل يحاول التسلل لما بعد خطوطها الحمراء ..
أنا لا أحب صلاح .. ولكنه التقارب فى طريقة تفكيرنا ومواقفنا من أشياء شتى ، والذى يشعرنا بتلك الراحة الغامرة كلما اقتربنا لأحدنا الآخر ..
أنا لا أحب صلاح .. ولكنها الرغبة فى محاولة ثانية .. لأثبت لنفسى أننى لم أستنفذ بعد كل فرص الحصول على القليل من السعاده .. دون الكثير من التفكير ..
بالفعل .. أنا لا أحب صلاح ..

كانت هذه الترهات بالطبع هى ما أردده لنفسى كلما ساءلتنى عما يدور بينى وبين صلاح ويزداد عمقا يوما بعد يوم ..
كنت أحاول الهروب قدر استطاعتى ولم أدرِ من أى شىء أهرب .. ربما اعتدت أن أكون فى موقف القوة دائما ، أتلقى العروض فأقبل أو أرفض وأتحمل نتائج قراراتى التى لا تعجب سواى على الأرجح .. فكان انجذابى نحو صلاح الذى رفضت كثيرا الاعتراف به ولو لنفسى انقلابا قاسيا فى موازينى ..
حتى واجهنى بما كنت أهرب منه ، فاستسلمت له ببساطة كنت أفتقدها فى نفسى ..
كان العام قد انقضى بطريقة ما على تلك الليلة الرائعة ، حين بدأ كل شىء .. فكان عيد الفطر التالى ، وكان فى بيتنا هذه المرة .. كانت أمى شأن كل نساء بلدتنا قد أمضت العشر الأواخر من رمضان فى تفرغ تام لخبز أطايب الكعك والبسكويت ، كانت هناك مباراة ما خفية بين النساء فى كل عيد وكأنهن يتنافسن على لقب "أفضل كعك لهذا العام " .. وأمى على بساطتها واختلافها عن سائر نساء بلدتنا ، كانت تشارك لا شعوريا فى تلك المسابقه .. وكانت الأفضل بالطبع ..
كنا حول الراديو ثانية ، وهذه المرة كنا نخشى أن تفضحنا أعيننا ، فى الواقع كنت أخشى أن تفضحنا عينيه اللتان بدتا لوهلة وكأنهما يبوحان بكل شىء مع كل نظرة ، فكنت أهرب منه الى غرفتى حينا حتى تعاود أمى مناداتى فأعود على مضض .. أجلس لدقائق ثم أغادر متعللة بأى شىء ..
حتى تبعنى ذات مرة واستوقفنى قبل أن أصعد درجات بيتنا الأسمنتية إلى الطابق الأعلى حيث غرف النوم ..
- جنه
هكذا نادانى .. كان يعلم أننى أفضل هذا الاسم على اسمى الأصلى "نجات" .. وكان يحب غرورى ويجيد إرضاؤه ..
- نعم
- انتى مش عايزة تجعدى معانا؟ متضايجه منى؟
- لا بس تعبانه شوية ..
- سلامتك ألف سلامة .. بس أنا أصلى كنت عاوز اجولك حاجة ..
تسارعت دقات قلبى .. بطريقة ما كنت أعلم أنه سيقولها الآن .. ولم أدر حقيقة شعورى وقتها .. هل هو سعاده لأنه أخيرا أعادنى إلى موقعى الأصلى .. موقع من يتلقى عرضا فيقبله أو يرفضه ؟ أم سعاده لأننى اتلقى هذا العرض منه "هو" بالذات ؟ أم لعله قلق على ما قد يجره إلى عرضه من مشاكل كنت أشعر بها قبل أن تحدث ؟
أذكر أننى كنت متوترة جدا .. وارتفعت يدى إلى شفتى أقضم أظافرى كما أفعل عادة كلما توترت .. فأمسك كفى برقة وأبعده عن شفتى وهمس:
- تتجوزينى؟
دارت بى الغرفة للحظات .. فقط سحبت كفى من بين يديه وابتسمت له ، وأومأت موافقه دون كلمة واحدة قبل أن أفر إلى غرفتى ..
يا الله .. أين كنت من كل هذا ؟ وأين كان فؤاد ؟ لم كان يتعمد معملتى بفظاظة وسوقية بالرغم من أنه يجيد التعامل بلطف .. ولكننى الآن لا أفكر فى فؤاد وأسباب انفصالنا .. بل أفكر فى الحب الذى يطرق بابى الآن ولأول مرة .. متأخرا ربما .. ساحبا معه العديد من العقبات ربما ، ولكنه فى ذات الوقت منحنى احساسا رائعا لم أعرفه من قبل .. تكفينى روعته للمضى قدما فى أى شىء أيا كانت تبعاته ..
لم تمض أيام حتى اتفقنا أن يخاطب والدتى فى شأن خطبتنا ..
ولم تمض أيام أيضا حتى أعلنت هى موافقتها .. بعد الكثير من الضغط ..
كانت تعلم أنه يصغرنى ، وكانت تعلم أننى لن أنجو من كلام النسوة اللاتى ليس لديهن ما هو أفضل ليفعلنه .. وكانت تعلم أنها لن تتحمل رؤيتى أطلق للمرة الثانية .. وكنت أخبرها أننا سنسافر كما وعدنى وسنبدأ حياتنا من جديد بعيدا عن الثرثرة والقيل والقال ..
واستسلمت العجوز الطيبة لرغبتنا أخيرا، وأعلنت خطوبتنا سريعا ..
وفتحت علينا أبواب الجحيم ..

ليست هناك تعليقات: