الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

الثوب الوردى

كان الجو صاخبا جدا كشأن أفراح هذه الأيام ، وقد اختاروا لنا طاولة بجوار مكبرات الصوت الضخمة بهدف الامعان فى تعذيب من لا ينهض للتقافز حول العريس والعروسة كما يفعل كل الشباب .. نهض الأولاد لأداء دورهم الوطنى وبقيت أنا وزوجى وأختى وزوجها .. يثرثر الرجلان عن أخبار المعارف القدامى ومن قابلهم فى الفرح مصادفة وتثرثر أختى عن اعدادات الحفل والعروسة وأنا أستمع وأهز رأسى بما يعبر عن موقفى من اتفاق أو اختلاف ..
- عقبال مى
- ميرسى يا حبيبتى فى حياتك
بالبطع مى هى ابنتى الكبرى والتى تلتهمها الأعين كما أرى .. تلك الفراشة الرقيقة التى تتنقل بين المدعوين فى ثوب وردى مكشوف الذراعين .. لا أدرى لماذا يبدو منظرها فى ثوبها هذا مألوفا لى ، وكأننى ارتديته فى حياة أخرى .. هل تقدم بى العمر لهذا الحد ؟
مى الجميلة التى يتوقع الجميع زفافها فى غضون عام على الأكثر .. حسنا .. تلك أمانيهم التى لن تغير شيئا من خطتها التى تشمل الكثير والكثير من الانتظار ، والكثير والكثير من السنوات المهدرة عبثا باسم الحب .. كانت - كما كنت فى سنها - رومانسية عنيدة ، فلتفسد حياتها كما تشاء فحق التحامق مكفول للجميع كما نعلم .. ألم أفعلها يوما باسم الحب أيضا؟
ارتفعت ضحكات شاكر فجأة فأجفلت .. شعرت أنه يقرأ خواطرى بطريقة ما .. نظرت إليه فلم يلاحظ فعاودت النظر لعليا التى تثرثر الآن حول البوفيه ..
لا أدرى هل هذا هو الطبيعى أم أنها رومانسية زائدة منى .. فكل الأفراح تجعلنى اعيد تقييم حياتى .. أين كنت وأين أصبحت وأين كنت أريد أن أكون .. ترعبنى تلك الفجوة الشاسعه بين ما أنا عليه الآن وما كنت اتصور أننى سأكون عليه .. ربما لهذا أكره الأفراح كثيرا ...
تأملت شاكر قليلا .. بالطبع لم يعد على أدنى صلة بالرجل الذى تزوجته وقتها .. وأنا لا أعنى شكلا فقط فلطالما حلمت به عجوزا أحمقا ممتلئا .. ذهب شعر رأسه الى غير عودة وازداد سمك عويناته .. وانتفخ بطنه ليكون كرشا مميزا .. وفقد كل شىء إلا حبى .. رباه ... هل كنت حمقاء الى هذا الحد؟
اقتربت أختى الكبرى - أم العروسة - من طاولتنا وسألت عما اذا كنا بحاجة لأى شىء فأجبنا نفيا ..
- مايسة عايزاكى شوية
قالتها لى فنهضت ، انتحت بى جانبا وبدت الجدية على ملامحها
- سامية بره وعايزة تسلم عليكى .. تحبى تطلعيلها ولا شاكر ممكن يضايق؟
- سامية مين؟
- سامية أخت صلاح
أسقط فى يدى .. صلاح؟ بعد كل هذا الوقت .. وكل ما حدث .. تريد أخته الآن مقابلتى؟
- أنا جايه حاضر ، هى فين؟
- بره القاعه
خرجت وأنا أتلفت حولى كمن يهرب من جريمة ما أو يهم بارتكاب واحدة ، دقات قلبى متسارعة جدا وأكاد لا أشعر بأطرافى ولكننى ذهبت رغم كل شىء ..
- سامية ؟ ازييييييييييك
ارتمت بين ذراعى واحتضنتها طويلا .. سنوات مرت على لقاءنا الأخير .. كانت زميلة دراستى كما كانت يوما ما .. أخت زوجى ..
أغرقتها بالأسئلة وهى لا تجيب .. انهارت تماما عندما سألتها عن زوجة صلاح وأبناؤه ..
- أهم عايشين .. من ساعة ما مات والدنيا ملطشة معاهم خالص .. ومديحة مش عايزة حد مننا يقرب للعيال وبتتهمنا اننا احنا السبب فى موته عشان يعنى الأزمة جتله بعد خناقته معانا .. انتى وحشتينى اوى يا مايسة ..
ثم عادت للبكاء مرة أخرى .. ودون أن أدرى وجدتنى أبكى معها .. أبكيه رغم ما كان .. رغم زواجنا الذى لم يدم سوى عام واحد ورغم خلافاتنا .. رغم انفصالنا الذى حطم كبريائى كأنثى .. رغم زواجى الثانى الذى مر عليه ما يزيد عن العشرين عاما .. رغم جلوس شاكر غير بعيد يفصله عنى جدار والكثير من الموسيقى الصاخبة .. وجدتنى أتذكر فقط أيامنا الأولى .. حبنا وأيام الخطوبة .. فرحتنا عندما تمكنا أخير من الزواج رغم أنف الجميع .. و رغم أننى كنت أكبره بعامين ..
- كان بيحبك أوى يا مايسه .. وندم عليكى كتير .. عارفة ؟ انا الوحيدة اللى عارفة ان جاله الضغط من ساعة ما سمع خبر جوازك .. انا اللى قلتله أصلى .. الله يرحمه ...
صلاح .. الحب الأول .. ترى لو استمر زواجنا كيف كنا سنكون الآن ؟ تزوجت شاكر عن حب فيما أتذكر .. ولكننى أحببته بقلب مكسور .. وكان هناك صدعا فى علاقتنا وحدى أنا أراه وألمسه .. لم أستطيع التعافى منه كليا .. وكنت اتذكره حين أختلف مع شاكر .. وكثيرا ما ندمت على غبائى و عصبيتى .. وعنادى الذى أقحمنى فى هذه الحياة التى لا اعرفها .. وحين توفى وجدتنى أبكيه بحرقه ..
ولكن هذا كان منذ زمن .. فقد توقفت عن التفكير فيه بعد وفاته كأنه لم يكن .. لماذا الآن يا سامية ؟ لا لن أعود الى ندمى وحزنى ثانية .. وكأننى أفر من شىء ما قبلت سامية على عجل وفررت منها و من شبح صلاح الى الحمام حيث أصلحت من مظهرى وأخفيت آثار البكاء تماما .. وعدت الى القاعة حيث جلست أتابع من طاولتنا .. صغيرتى مى التى تلتهمها الأعين .. وأتأمل فستانها الوردى الذى تذكرت الآن فقط كم يشبه الفستان الذى ارتديته فى خطبتى الأولى .. متسائلة عما يحمله الغد لها ..

هناك 4 تعليقات:

Tarkieb يقول...

حلوة بجد ....عارفة احلى حاجة فيكي ايه؟ انك بتتدي المعلومة حبة حبة ...بجد لحد اخر سطر بتكمل الحكاية....الله يرحمه ابو الصلح يمكن لو كان عاش كان بقى حاله زي ابو مي...اللي عويناته سمكت.....بس مالها نظارة مش احسن من عوينات؟؟....احسنتي....وماتخليش هيصة الفرح تنسيكي مريم واحمد....

Ganna Adel يقول...

ميرسى :)
مريم و أحمد دول اللى فى القلب :)

Nabil يقول...

جميلة جدا جدا وناضجه

ومش عارف اقولك على اللى حسيته انا بكتب وامسح

هى جميله اوى واحساسها ملموس ومفهوم

بس فى سؤال فى بالى من موقف مشابه

هو احنا ممكن نكون بنندم على الحاجه اللى فقدناها لمجرد اننا فقدناها

يعنى حتى لو مكانتش هتسعدنا بنفكرها كانت هتسعدنا عشان فقدناها؟

او عشان مش راضيين اوى بالواقع بنلجا نقول لو لو لو لو لو

؟؟؟؟؟؟

القصه حلوه بجد

Ganna Adel يقول...

نبيل
عم نكبر.. عم نكبر ..
سؤالك وجيه واجابته آه طبعا كتير بنندم على حاجات ممكن متكونش تستاهل ندم لمجرد انها ضاعت .. وده اللى بتعمله مايسة ..
علاقتها كانت جميلة بس مش جميلة كفاية عشان تستمر .. وجوازها من شاكر استمراره كان مبنى على رغبة فى عدم تكرار الفشل .. عشان كده هى ندمانه ..

ميرسى بجد :)